الثلاثاء، 7 فبراير 2012

10 أسباب تجعل أمريكا «ليست» دولة حريات

وشهد شاهد من أهلها:

10 أسباب تجعل أمريكا «ليست» دولة حريات

في الوقت الذي تصدر الولايات المتحدة فيه سنويا تقارير عن حالة الحريات الفردية في دول العالم الأخري، ترصد فيها إصدار القوانين والتعليمات التي تحد من الحريات في العالم. فعلي سبيل المثال قد تم توجيه الانتقاد إلي إيران، لمنعها إجراء المحاكمات العلنية العادلة وتضييق الحرية الشخصية

فساد وإهدار المال العام فى منجم السكرى


حصلت «روزاليوسف» على مستندات تكشف فسادا وإهدارا للمال العام داخل منجم السكرى، الذى كان مرشحا أن يحتل مرتبة متقدمة بين أكبر 10 مناجم ذهب على مستوى العالم لما يحتويه من كميات من الذهب.

حسين سالم: حذرت سوزان من نشر تفاصيل علاقتى بالأسرة وذكرتها بنهاية «أشرف مروان»

مبارك طلب منى مخاطبة مسئولين أجانب لإنقاذه من المشنقة

تلقيت مكالمة مفاجئة من علاء «داخل طرة» وأغلقت الهاتف فى وجهه

كشف رجل الأعمال الهارب حسين سالم فى تصريح خاص أنه تلقى اتصالا هاتفيا من مبارك منذ أكثر من أسبوعين استمر لمدة عشر دقائق.

وأوضح سالم أن مبارك فى هذه المكالمة كان يبدو مضطربا ويشعر بالخوف الشديد ويتعهد لسالم بعدم الزج باسمه فى القضية التى يحاكم فيها مبارك ونجلاه.

الإخوان يطالبون المجلس العسكرى باسترداد أموالهم وإسقاط الأحكام .. سريا


ليس غريباً أن يخرج أحد قيادات الإخوان المسلمين ويطلق تصريحات نارية ثم يحدث إما أنه يتراجع عنها أو يخرج متحدث باسم الجماعة ليقول إن هذه التصريحات لا تعبر عن الجماعة أو الحزب وإنما تعبر عن وجهة نظر شخصية للقيادى.. هذا ما يتكرر دائماً وتعودنا عليه من الجماعة.. لكن فى حالة خيرت الشاطر لا يمكن لأحد أن يفعل معه ذلك.. لابد أن تتعامل مع مايخرج منه وتضع تحته ألف خط أحمر. . لابد أن تقف وتقرأ بتركيز ما يقوله.. عادة ما تكون تصريحات خيرت عادة محددة ومقتضبة.

هيومان رايتس تكشف: البرعي وأبو سعدة متهمان في قضية التمويل الأجنبي



كشفت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الأمريكية نقلا عن منظمات مجتمع مدني مصرية أن اثنين من كبار السياسيين البارزين في مصر وهما نجاد البرعي، وحافظ أبو سعدة متهمين في القضية التي يتم التحقيق فيها مع السياسي ناصر أمين والتي تتعلق بتلقي تمويلات خارجية سياسية من حكومة أجنبية دون تصريح

منى الشاذلى ترفض اعتبار عسكري الشرطة شهيدا


اتهم المستشار رجائي عطية الإعلامية منى الشاذلي في حواره معها مساء أمس حول حالة الارتباك التي يشهدها الشارع المصري، بأنها تمثل وجهة نظر واحدة، وأنه أصبح هناك نوع من ضيق الصدر في تلقي وجهات النظر المغايرة للرأي الواحد.

ننشر خريطة توزيع "حكومة طرة" على السجون

ننشر خريطة توزيع "حكومة طرة" على السجون.. 3 سجون داخل طرة والقناطر يستقبلون الوزراء السابقين.. و14 نزيلا بملحق المزرعة و10 بالعقرب و3 بالقناطر.. وضغوط نفسية وإحباط شديد يصيبان مبارك فور علمه بنقله

بدأ قطاع مصلحة السجون فى تنفيذ قرار وزير الداخلية الخاص بنقل حكومة نظام مبارك البائد، وتوزيعها على السجون، حيث من المقرر أن يتم توزيعهم على 3 سجون بالمنطقة المركزية لسجون طرة، وهى سجن المزرعة وملحق المزرعة وسجن شديد الحراسة المعروف باسم سجن "العقرب"، بالإضافة إلى سجن القناطر الخيرية

روسيا تهدد بإزالة دولة قطر من الخريطة نهائيا


في تسجيل بثته القناة الفرنسية "2" لحوار دار بين مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتالي تشوركين ورئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها حمد بن جاسم، حيث وجه بن جاسم الكلام لمندوب روسيا قائلا: أحذرك من اتخاذ أي فيتو بخصوص الأزمة في سوريا

الحرية والعدالة" ينتهى من خطة إعادة هيكلة "الداخلية

"الحرية والعدالة" ينتهى من خطة إعادة هيكلة "الداخلية".. الاستعانة بـ "لواءات" وخبراء أمنيين.. وقائمة "المستبعدين" تضم 3 آلاف قيادة من المقربين لـ"العادلى" وجمال مبارك.. ومقترحات بتعيين "وزير مدنى"

علمت «اليوم السابع» أن حزب الحرية والعدالة انتهى من إعداد خطة متكاملة لمشروع قانون هيكلة وزارة الداخلية، ومعالجة «الانفلات الأمنى» وما نتج عنه من أحداث السطو المسلح والسرقة، وانتهاء بأحداث مباراة النادى الأهلى والمصرى ببورسعيد والتى راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلا، ومئات المصابين، تمهيدا لعرضها على مجلس الشعب.

محمد حسنين هيكل مبارك وزمانه مـن المنصة إلى الميدان الحلقة (الحادية عشرة)الأمن والتأمين.. والثروة والسلطة!



لماذا اختار «مبارك» أن يجعل «شرم الشيخ» مقر إقامته الرئيسى؟!منذ اللحظة الأولى بعد حرب أكتوبر أصبح «أمن النظام» و«أمن الرئيس» قضية أساسية وحيوية لضمان استمرار سياسات مستجدة طرأت على الظروف التى أحاطت بالأسبوع الثانى من حرب أكتوبر وتداعياتها.

وقد جرى طَرْحْ موضوع الأمن والتأمين للمرة الأولى أثناء اجتماع بين الرئيس «أنور السادات» وبين وزير الخارجية الأمريكى «هنرى كيسنجر» فى استراحة أسوان يوم 12 يناير 1974، وكان تقدير الرجلين معا أن التحولات الكبرى فى مصر والسياسات المستجدة على إستراتيچيتها بعد حرب أكتوبر ــ تقتضى إجراءات حماية واسعة للرئيس وللنظام، حتى تتمكن تلك التحولات وتترسخ!!

مبارك وزمانه مـن المنصة إلى الميدان (الحلقة العاشرة) .. دور أو وظيفة

11 ساعة مع الملك حسين على يومين وسط الوثائق فى عمان

محمد حسنين هيكل

لم يكن العالم العربى فى أحسن أحواله وهو على وشك الدخول إلى فترة صعبة من تاريخه، والواقع أن السنوات العشر ما بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات كانت كارثية على العالم العربى.

وكانت البداية أن ذلك التحالف العربى الكبير الذى خاض حرب أكتوبر 1973، والذى كان بلا سابق فى التاريخ العربى الحديث، وكذلك بلا لاحق حتى هذه اللحظة ــ راح يتفكك جميعه وتتحلل روابطه.

فالحرب فى أكتوبر 1973 دارت بالسلاح على جبهتين: مصر وسوريا، واصطف وراء الجبهتين دعم شعوب الأمة كافة، وبإصرار عنيد ووراء الإصرار إمداد متدفق بالعتاد والمال وقوة النفط، وجاءت النتائج التى تحققت فى ميادين القتال فى مطالع المعركة باهرة ــ لكن الطرق تباينت وسط القتال!

وكذلك فإنه عندما توقفت المعارك ــ كان العالم العربى فى مأزق، لأن مصر آثرت أن تستكشف وحدها ما سُمى بطريق السلام.

ثم توالت العثرات: من الحرب الأهلية فى «لبنان» ــ إلى الحروب فى القرن الأفريقى بما أدى إلى تآكل دولة الصومال ــ إلى الصراع بين الجنوب والشمال فى السودان ــ إلى الحرب العراقية الإيرانية ــ إلى غزو «الكويت» ــ وبهذا وغيره فإن بنيان المشروع العربى والذى ظل واقفا رغم ما كان فيه من ثغرات ــ راح يتصدع، فعندما خرجت مصر بصلح منفرد مع إسرائيل سنحت الفرص لتجمعات إقليمية أو عائلية مكبوتة تحت ضغط الظروف، ولها مشروع تجمع دول الخليج تبتعد بها عن القلب العربى، تاركة له قضاياه الكبرى، آخذة معها ثرواتها الطائلة، وكذلك نشأت «منظمة التعاون الخليجى» وفى مقابلة أن اقترح العراق ما سُمى «مجلس التعاون العربى»، وفيها «العراق» و«الأردن» و«مصر» و«اليمن»، ثم جرى طرح ومناقشة اتحاد الدول المغاربية، ثم انقض الغزو العراقى لـ «الكويت»، وانفجر النظام العربى، حتى وإن حاولت الأشلاء أن تلتحق بالأشلاء!!

●●●

ومع أن السياسة المصرية فى ذلك الوقت كانت عضوا فى الاتحاد العربى الذى يجمعها مع العراق ويحولها هى والأردن إلى قاعدة خلفية للحرب ضد إيران ــ فإن ظروف العالم العربى وجواره ما لبثت أن أضافت بمستجدات ومضاعفات حمولات زائدة نزلت عليها، خصوصا معركة الجهاد ضد الإلحاد فى «أفغانستان»، وما فاض معها من مغانم راحت تتدفق فى المنطقة، وكانت هذه المغانم هى ما أخذ السياسة المصرية إلى تغيير تحالفاتها بسرعة، فغزو العراق للكويت أغرى السياسة المصرية بدور اتسع نطاقه واختلطت فيه المسالك، فإذا مقاومة غزو «الكويت» تفتح باب الذرائع لتدمير «العراق» نفسه من الانقسامات والتحالفات المتناقضة والمتغيرة، ومن الصراعات والحروب العبثية، كل هذا أزاح القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلى إلى الأركان والهوامش!

وكانت تلك كلها أعراض أمراض لحقت بأمة ضيَّعت هويتها وذاكرتها وطريقها مهما شطحت الأوهام ببعض الأطراف!

●●●

وفى ذلك الوقت كنت قد وقَّعت عقدا مع دار «هاربر كولينز» (فى لندن ونيويورك) يشمل ثلاثة كتب عن الشرق الأوسط، وسألنى رئيس مجلس إدارتها («إيدى بيل») إذا كنت مستعدا لبدئها بكتاب عن تلك الحرب فى الخليج، ووافقت، وبدأت العمل فيه، ونشرت بعض الصحف فى مصر وخارجها أننى أكتب كتابا اخترت له عنوان Illusions of Triumph «أوهام القوة والنصر»!

●●●

وذات صباح فى مكتبى، اتصل بى الرئيس «مبارك» بعد فترة انقطاع طويل، وبادر فسألنى دون مقدمات تقريبا:

«إنه قرأ فى إحدى الجرائد أننى سوف أذهب إلى «عمان» لمقابلة الملك «حسين»، «لأنك» تكتب كتابا عن حرب الخليج!».

وقلت للرئيس: «إن ما قرأه صحيح!».

وسألنى الرئيس: لماذا الملك «حسين»!

وقلت: «سوف أقابل كثيرين غيره، ولكن المسألة فيما يتعلق بالملك «حسين» إنه الرجل الذى بقى منذ غزو الكويت حتى ضرب العراق على اتصال بكل أطراف الأزمة، فقد ظل على صلة بـ «صدام حسين»، و«جورج بوش»، و«مارجريت تاتشر» دون انقطاع»!

وقال الرئيس «مبارك» معترضا:

ــ «أنت على خطأ فى ذلك، لأن «حسين» لم يكن الطرف الذى بقى على اتصال بالجميع حتى آخر لحظة، وإنما كنت أنا الذى ظل على اتصال بالجميع من أول لحظة حتى آخر لحظة».

وواصل الرئيس «مبارك» كلامه قائلا:

ــ «والملك «حسين» سوف يكذب عليك، وأنت تعرف ذلك!».

ومع أن عبارته أدهشتنى، فقد قلت:

ــ «أنه من حق الملك أن يقول ما يشاء، وعلىَّ أن أفرز ما أسمع، وعلى أى حال فإن الملك أبلغنى عن طريق رئيس ديوانه بأنه رغبة منه فى اطلاعى على الحقائق كاملة ــ فسوف يفتح أمامى كل الملفات دون تحفظ، أطلع فيها على ما أشاء».

وعلق الرئيس بما يعرف عن «اهتمامى بالورق»، ثم أضاف: «أنه بالقطع لا يعترض حقى فى مقابلة من أشاء».

الملك حسين مع هيكل

●●●

وقصدت إلى «عمان» فعلا، والتقيت الملك «حسين» على يومين متواليين: فى اليوم الأول من الساعة الحادية عشرة صباحا حتى الثامنة مساء، وتغدينا معا فى قصر «الندوة»، والحديث متواصل، ورئيس ديوانه الأستاذ «عدنان أبوعودة» حاضر معنا معظم الوقت، وجاهز فور الطلب بالملفات والوثائق.

وعُدت إلى فندق «الإنتركونتننتال»، وفى انتظارى مجمع من الأصدقاء: ساسة ومفكرون وصحفيون، وعند منتصف الليل تلقيت اتصالا تليفونيا من الملك «حسين» يقول لى «إنه يعرف أننى عائد بالطائرة الأردنية ظهر غد إلى «القاهرة»، وأنه يقترح أن نتقابل مرة أخرى فى الساعة العاشرة صباحا فى قصر «الندوة»، وقلت للملك: «إننى على موعد أبلغت به قبل قليل مع ولى عهده الأمير «الحسن»، وهو ــ أيضا ــ فى الساعة العاشرة»، وقال الملك «حسين»: «إنه سوف يرتب الأمر مع الأمير «الحسن»، وسوف يقوم بالاعتذار عنى لولى العهد ــ لأنه هو شخصيا ــ «الملك حسين» ــ لديه بقية يراها ضرورية لاستكمال ما كنا نتحدث فيه (رغم أن حديثنا تواصل 9 ساعات)».

وكذلك كان، وعُدت إلى قصر «الندوة» فى الساعة العاشرة صباحا، وحتى الساعة الثانية عشرة ظهرا كان الملك منهمكا فى الشرح وفى الرواية ــ وأحس بقلقى وأنا أنظر فى ساعة يدى مخافة أن يفوتنى موعد الطائرة (الساعة الواحدة ظهرا)، وقال بسرعة: «سوف أريحك» ــ ورفع سماعة التليفون يأمر بتأجيل قيام طائرة القاهرة حتى أصل إلى المطار، وواصل الحديث وتجاوزت الساعة الثانية بعد الظهر، وكان الكلام مازال متواصلا!

وبلغت سلم الطائرة فى الساعة الثانية والنصف، وكان ركابها قد جلسوا على مقاعدهم فى الموعد المقرر لقيامها، والطائرة بما فيها ــ أى بهم ــ فى مكانها على مدرج المطار، وركابها لا يعرفون سببا لتأخيرها، وقيل لهم إن السبب فنى، لكنهم لم يروا من حول الطائرة ما يدل على عملية صيانة، وطال انتظارهم حتى وصلت سيارتى أمام سلم الطائرة، وصعدت إليها، شاعرا بالحرج أكاد أغطى وجهى، ولا كيف أعتذر لكل هؤلاء الذين تأخروا بسببى، وأنقذنى قائد الطائرة تفضلا منه إذ رحَّب بى على ظهر طائرته، معتذرا للركاب بأننى كنت مع «جلالة الملك»، وأن التأخير كان «بأمر صاحب الجلالة!».

وكان رد الفعل لدى الرُكَّاب كريما ــ وتنفسْتُ الصعداء!

●●●

وبعد عودتى إلى «القاهرة» بثلاثة أيام تلقيت اتصالا من الرئيس «مبارك»، بدأه ــ كذلك ــ بغير مقدمات:

«هل كذب عليك (يقصد «الملك حسين»)، وروى لك ما يشاء لكى يبرر موقفه؟!».

ولم ينتظر بل استطرد:

«أنه سوف يفاجئنى بما لم أتوقعه، فقد تأكد له غرامى بالوثائق، أبحث فيها عن صورة الوقائع بنفسى، وقد قرر أن يطلعنى على أوراق الرئاسة (السرية)، وسوف يسمح لى بقراءة ما أشاء منها، شرط عدم تصويرها».

ثم واصل «مبارك» سائلا: «أليس «مصطفى الفقى» (سكرتير الرئيس للمعلومات) صديقك؟! ــ وقلت: «صحيح» ــ وقال: سوف أبعث «مصطفى الفقى» إليك ومعه الملفات، تطلع عليها فى حضوره، وكلما فرغت من جزء منها، عاد إليك بجزء جديد حتى تستوفى ما تريد».

«ما رأيك؟!».

وشكرت الرئيس «مبارك» بصدق على اهتمامه، ولم يمض نصف ساعة إلا واتصل بى الدكتور «مصطفى الفقى» ليقول: «إن الرئيس أمره بأن يطلعنى على الملفات السرية للرئاسة فى شأن حرب الخليج. واتفقنا على أن يمر علىَّ فى مكتبى غدا فى الساعة الواحدة بعد الظهر، ثم ينزل حتى يلحق بالإفطار (وكنا فى شهر رمضان).

وبعد هذا الموعد الأول تستطيع أن تحدد ما يليه.

●●●

وجاء الدكتور «مصطفى الفقى» فى موعدنا المتفق عليه، ومعه مساعد له يحمل حقيبة جلدية كبيرة متخمة بالملفات، وراح وهو يفتحها جالسا أمامى يقول:

«إن التعليمات لديه أن أقرأ ما أريد، ولكن لا أصور شيئا».

وبدا فاستخرج رزمة من «مسيرات الرئاسة»، وهى الدفاتر التى تسجل ــ ضمن ما تسجل ــ اتصالات الرئيس وما يتم تحريره فيها بعد هذه الاتصالات.

وانهمكت فى القراءة، والدكتور «مصطفى الفقى» جالس أمامى يتابع ملامحى مرات، ثم يقلب ملفات الحقيبة الجلدية مرات أخرى، أو يبدى ملاحظة مرحة سريعة، لكن الرجل ــ بيقظة سياسى خبير ــ أحس بشعور يراودنى، وأنا أقلب أوراق أحد الملفات واستعرض محتوياته بسرعة، وبدأ ينظر فى ساعته، وموعد المغرب يقترب، وهو مدعو للإفطار على مائدة أحد أصدقائه (كما قال).

وقررت اختصار الطرق، فقلت له بصراحة:

ــ «إننى أفضل أن لا أواصل قراءة هذه الأوراق، وهو يستطيع أن يأخذها معه الآن، وأظننى سوف أكتفى بما قرأت، لا أطلب مزيدا عليها يحمله إلىَّ كل يوم».

●●●

وبدت نظرة تساؤل فى عينى الدكتور «مصطفى الفقى»، وانعكست بسرعة على ملامح وجهه، وقد أراد استيضاح موقفى، وقلت بصراحة ما مؤداه: «أن ما قرأت من مسيرات الرئاسة، جعلنى أشعر أن هذه المسيرات مكتوبة بأثر رجعى، أى بعد الحوادث وليس أثناءها، وهذا يفقد المسيرات قيمتها، لأن الأهمية القصوى للمسيرات أن يكون تسجيلها أولا بأول، فإذا وقعت كتابتها ــ كما أحسست ــ بعد فوات أوانها، إذن فهى «محررة» «بتوجيه»، لكى ترسم صورة معينة قد لا تكون موافقة لحقيقة ما جرى!».

وسألنى الدكتور «الفقى» عما يدعونى إلى هذا الشك، وقلت بصراحة أيضا: «هذا ما شعرت به كرجل تعوَّد النظر فى الوثائق».

وعاد الدكتور «الفقى» يسألنى: وماذا أقول للرئيس؟!

وقلت: «إننى أترك المشكلة لحصافته، لكنى أخشى إذا واصلت قراءة كل ما يحمله اليوم من أوراق ــ وما قد يحمله إلىَّ غدا وبعد غد ــ أن أكون قيدت نفسى أدبيا بمصدر لا أجده أمامى مقنعا، وأنا أفضل أن أكتب ما أكتب مستندا إلى ما أستطيع الوصول إليه، راضيا عن مصادره، أما إذا واصلت قراءة ما جاء به إلىَّ ولدىَّ شكوك فيه، فإن قراءتى له سوف تضع علىَّ قيدا ربما يلزمنى بما لم أقتنع به».

وأعاد الدكتور «مصطفى الفقى» أوراقه إلى الحقيبة الكبيرة، ودعا مساعده الذى كان ينتظرنا خارج مكتبى كى يجىء لحملها، ويسبق بها إلى السيارة، ومشيت بعدها مع الدكتور «مصطفى الفقى» إلى باب المكتب، منتظرا المصعد، وفجأة ــ وبصدق قدرته له ــ قال الرجل:

«أستاذ هيكل.. لا تعتمد فيما تكتب إلا على ما تثق فيه، ولا تسألنى أكثر من ذلك!».

وفى اليوم التالى كان هو الذى اتصل بى يبلغنى أن أخطر الرئيس بأننى اكتفيت بما قرأت مما حمل إلىَّ من ملفات الرئاسة، وأن الرئيس سأله، وهو بناء على ذلك يسألنى: هل الكتاب سوف يعكس وجهة نظرنا أو وجهة نظر الملك «حسين»!

وقلت له بصراحة:

ــ «لا وجهة نظركم، ولا وجهة نظر الملك «حسين»، وإنما هو مثل أى كتاب، يعكس جهد كاتب فى تقصى موضوعه، وهذا كل شىء!!».

●●●

ولكن ذلك لم يكن كل شىء كما تمنيت، وإنما كان بداية حملة ضارية، فما أن صدر الكتاب، وتُرجم إلى اللغة العربية حتى قامت القيامة، وكانت المواقع الحساسة فى القصة، والتى دار عليها الجزء الأكبر من الخلاف ــ الذى قامت عليه القيامة ــ هى:

ــ متى نزلت القوات الأمريكية فى السعودية؟! ــ وهل كان ذلك قبل مؤتمر القمة، وباتفاق خاص مع الرئيس «مبارك» وغيره قبل مؤتمر القمة؟! ــ أو أن النزول الأمريكى كان بعد مؤتمر القمة، ونتيجة لدعوة منها؟!

ــ ثم هل كان الهدف تحرير الكويت، أو أن تدمير العراق كان مطلوبا لضرورة أو مقصودا بسبق الإصرار؟! ــ وأخيرا هل كان نزول القوات الأمريكية فى الخليج وفى السعودية على هذا النطاق الواسع إجراء طوارئ، أو خريطة استراتيجية مستجدة؟!

ودار جدل طويل حول التناقض فى التصرفات والمواقيت، وصدرت فى مصر كتب رسمية بيضاء، وهى فى الحقيقة ملونة، وأشهد للدكتور «مصطفى الفقى» أنه أخذنى إلى ناحية أثناء عشاء التقينا فيه على مائدة أحد الأصدقاء المشتركين، لكى يقول لى همسا:

«لا تجعل شيئا مما يُقال يضايقك، الحق كان معك، والواقع كما أعرفه من موقعى أفظع بكثير من أى شىء قلته فى كتابك!».

●●●

وكانت تلك لحظة تستحق الدراسة فى تاريخ مصر، فقد لاح وكأن مصر قد جرى تنويمها أو تخديرها.

كانت تلك لحظة تستحق أن يعيشها ويرصدها الفيلسوف الأكبر فى علوم السياسة وممارستها، وهو فيلسوف التنوير الأشهر «نيكولو ماكيافيللى» صاحب كتاب «الأمير».

كان «ماكيافيللى» فى شرحه للسياسة فى رسالته التى أهداها إلى أمير «فلورنسا» «لونزو العظيم» يعتبر أن الأمير يستطيع ممارسة السياسة فى عزلة عن الأخلاق.

وظُلم «ماكيافيللى» لأن بعض الناس سحبوا مقولاته على تصرفات البشر العاديين، فى حين أن «ماكيافيللى» كان يتحدث إلى الأمير وسياسات الأمير، أى أن حديثه للأمير كان بمفهوم الأزمنة الجديدة، حديثا إلى الدولة وعن سياساتها.

●●●

وفجأة مع اشتعال الحرب فى الخليج ومضت فرصة أمل، حتى وإن كانت على طريقة «ماكيافيللى» ــ تنفصل فيها السياسة عن الأخلاق!

ولسوء الحظ ــ أو لحسن الحظ ــ على طريقة «ماكيافيللى» ــ فإن حروب المنطقة جاءت «كوارث موفقة» (إذا جاز التعبير)، لأنها أتاحت ما بدا للبعض أنه فرصة للتغلب على «مصاعب مصرية»، بصرف النظر عن أى أحكام قيمة!

مبارك وصدام

كان الاقتصاد المصرى مُثقلا ولم تكن أثقاله فى حاجة إلى جهد كبير لاستقراء أسبابها، وإنما كانت الأسباب عديدة:

ــ الاقتصاد المصرى تحمَّل بأعباء مشروعات كبرى فى التنمية لم تعط بعد عائدها، أو لم تعط بعد هذا العائد كاملا.

ــ الاقتصاد المصرى تحمَّل بأعباء حرب 1967، وحرب الاستنزاف (والحقيقة أن القطاع العام كان السند الأكبر فى التعويض عن هذه الأعباء).

ــ ثم إن اتجاه مصر بعد حرب أكتوبر لم يستدع إليها ما هو تنتظره من مساعدات عربية، وأول أسباب خيبة التوقعات أن مصر حين انتهاء المعارك اختارت أن تتوجَّه إلى صلح منفرد مع إسرائيل.

ــ وكذلك وقع فى تلك اللحظة أن المساعدات الخارجية توقفت، فقد لمح المعسكر الشرقى بوادر التحول فى السياسة المصرية، وتمهَّل فيما يقدمه، وفى نفس الوقت فإن المعسكر الغربى ودولة الولايات المتحدة كان يريد أن يتأكد من ثبات هذه التحولات.

ــ وفى هذا التوقيت فإن الإغارة على القطاع العام بدأت، وأوله انقضاضها على التوكيلات وإرجاعها.

ــ ثم إن الذين لم ترق لهم المقاومة الشعبية ضد الخصخصة، مع الطريقة التى طرحت بها وقتها، ونفذت بها فيما بعد ــ لجأوا إلى سياسات شبه تآمرية على هذا القطاع العام، فقد حجبوا عنه أى استثمارات جديدة، بينما ظل فائض أرباحه يذهب إلى حسابات الخزينة العامة.

ــ زاد على ذلك أنه فى أعقاب توقف معارك أكتوبر فقد أراد البعض أن يعوض نقص الموارد بزيادة الإيمان، لعل الدعاء يسد حاجة المحتاجين ــ أو يقنعهم بالزهد، برغم كل ما رأوه من غارات تنظم نفسها للانقضاض على النصيب الأكبر من الثروة الوطنية باسم «الانفتاح».

ــ وفى هذه الأجواء وقعت موجة هجرة فى الشباب، وفى الكفاءات، لأن التحولات فى العالم، والثروات المنهمرة فى الإقليم ــ لوَّحت باستعداد للاستجابة للوعد بأكثر مما تقدر عليه الأوضاع المحلية، خصوصا أن ظروف التعبئة العامة لسنوات سبع من 1967 ــ 1974 ــ أوقفت سفر البعثات الدراسية إلى الخارج، لأن شباب المؤهلات كان فى الخنادق!

ــ وكان الاحتجاج الشعبى الأكبر تلك الفترة وهى مظاهرات 18و19 يناير سنة 1977، قد ضاع صيحة فى الفراغ، ووقع علاجها أمنيا إلى درجة وصفها بأنها «انتفاضة حرامية»!

ــ ثم وقع اغتيال الرئيس «السادات» بموجة الإرهاب التى تلته، وبدت مصر بلدا غير مأمون فى أبسط الاحتمالات. وراح الاقتصاد المصرى يتدحرج إلى حافة الخطر.

مظاهرات 18 و 19 يناير 1977

●●●

ولست أعرف أن «مبارك» قرأ «ماكيافيللى»، لكنه فى حرب الخليج طبق آراءه خير تطبيق، بمعنى أنه يمكن أن يُقال باطمئنان أن مصر كانت تواجه موقفا اقتصاديا فى منتهى الصعوبة، فى جزء من الثمانينيات وعلى طول التسعينيات، ثم تكفَّلت حروب الإقليم وحرب الخليج بـ«رد الروح» إلى الاقتصاد المصرى، لأنها ببساطة جلبت له أموالا جديدة هرعت إلى نجدتها لتقدر على تنفيذ سياساتها على الأرض التى ظهرت بعد ذلك المنحنى على النهر، وبعد جهاد «أفغانستان»!

وبعد ثورة «إيران»، وكل ما فى الحربين من تناقض ــ بدت المنطقة كلها وكأنها فى حالة انفصام فى الشخصية: «شيزوفرينيا».

ــ فى «أفغانستان» جهاد من أجل الإسلام، وفى «إيران» حرب ضد ثورة إسلامية.

ــ والحرب فى «أفغانستان» ضد سلطة إسلامية سنية هى سلطة «طالبان» (التى كانت بدايتها فى الجهاد ضد الإلحاد)، لكن الحرب فى «إيران» حرب السنة ضد الشيعة.

ــ والحرب فى «أفغانستان» كانت ضد منطق المحافظة المؤمنة فى «السنة».

ــ وفى إيران كانت الحرب ضد الثورة فى بلد «الشيعة»!

وبصرف النظر عن المتناقضات، فإن التناقض دائما فرصة فيما تقول به دروس «ماكيافيللى».

حرب الخليج

●●●

والحقيقة أن هذه المتناقضات فى المنطقة أحدثت درجة من الحمى فى دوران عجلة ثروة النفط والذهب، وفى أسلحة المخابرات الدولية والجهاد ضد الإلحاد، وذلك وفَّر لمصر فيضان من المساعدات لا يشك أحد أنه أنقذ اقتصادها.

وبناء على أرقام صندوق النقد الدولى فإن مصر جاءتها فى ظروف حرب الخليج وما بعدها مساعدات وهبات بلغت قيمتها 100 مليار دولار، وهى على النحو التالى:

ــ 30 مليارا إعفاء ديون مستحقة على مصر لدول أجنبية.

ــ 25 مليار دولار من الكويت.

ــ 10 مليارات دولار من السعودية.

ــ 10 مليارات دولار من دولة الإمارات.

والباقى من مصادر متفرقة، وذلك بالإضافة إلى كثير من خدمات المخابرات والأمن والسلاح والتوريدات المقدمة إلى ما لا نهاية من الخدمات، وكله أعطى مصر صفحة اقتصادية جديدة مشجعة!

حرب الخليج التانية

●●●

وهنا نقلة إلى اللحظة الراهنة أحكى فيها مشهدا مثيرا وقع لى فى باريس، فقد سألت أحد كبار الاقتصاديين المشهود لهم فى العالم عن الطريق الأمثل لحل المشكلة الاقتصادية المستعصية فى مصر، وأجابنى الرجل المشهود له عالميا:

ــ هناك طريقان: أحدهما طويل وصعب، والآخر سريع وسهل.

طريق طويل الآن يقتضى إجراءات حازمة وحاسمة، لأن التفريط فى الثروة عندكم كان مذهلا فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة.

وسكت الرجل وسألته باهتمام:

ــ وماذا عن الطريق السريع والسهل؟!

وكان رده وفى حضور واحد من أهم سفراء مصر فى العالم الخارجى ــ قوله:

«الطريق السهل والسريع ــ حرب إقليمية فى الشرق الأوسط ــ حرب أخرى فى الشرق الأوسط تنقذ مصر على نحو ما سبق فى حرب الخليج!!».

●●●

والشاهد أن تلك اللحظة كانت نقطة تحول كبير فى توجهات «مبارك»، فقد وجد أطرافا تطلب تقوية دوره فى المنطقة وتوظيفه، بحيث يأخذ معه «وضع» مصر فى الإقليم كله إلى حيث يريد وكما يشاء، وكانت تلك البداية فى مطلب تأييد حكمه طول حياته، مسنودا بقوى دولية وإقليمية، وكان ــ وحتى دون أن يقصد أحد ــ تمهيدا منطقيا لورود فكرة التوريث على البال، فـ «مبارك» الآن يؤدى دورا، وهو يسحب مصر وراءه فى أدائه، ومن المهم أن يستمر ذلك، ولا شىء يحقق ضمان استمراره لأطول مدى إلا أن يكون الابن استمرارا للأب، أو على الأقل لتأكيد الاستمرار على نفس الطريق!

●●●

لكن المشكلة أن حل مشكلات مصر على طريقة «ماكيافيللى» لم ينجح، لسبب واضح وهو أن جماعات المصالح التى أحاطت بالأب، وزحفت مع الابن ــ تحولت إلى سرب جراد أتى على ما جاءت به السياسة، متحررة من الأخلاق على طريقة «ماكيافيللى»، أى أن الوعاء الاقتصادى الذى امتلأ بالسيولة بعد حرب الخليج، جرى تفريغه بالنهب بعدها!

المصدر: http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=05022012&id=bdcf56dd-f4ba-4d1a-86ea-a3defcaca42c


مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان (الحلقة التاسعة) .. منحنى على النهر!

تمرد قوات الأمن الـمركزى .. علامة حـاسمة فى نظام (مبارك)

محمد حسنين هيكل

وفى أجواء الاستعداد لـ «رئاسة ثالثة لمبارك» آثرت أن أتابع من مسافة أكثر بُعدا قدر ما أستطيع، دون انعزال كامل عن الحوادث أقطع به أى صلة مع الشأن الجارى.

وكان ظاهرا لى أن الحيرة ليست حيرتى فقط، ولكنها حيرة كثيرين، وربما حيرة التاريخ ذاته فى شأن رجل يتصور بعض الناس أنهم يعرفونه جيدا، ثم يتبين أنهم لا يعرفون شيئا!

فى ذلك الوقت بدا أن مجرى الحوادث فى ظاهره لا يكفى لرؤية ما يدور تحت السطح، فعلى الظاهر بدا أن الرتابة والركود والتردى هى السمات الغالبة على القرار فى مصر.

لكنه فى نفس الوقت تبدَّى أن العمق المصرى يموج بتفاعلات تتسارع حركتها، وتتصارع عواملها، حيث لا يراها أحد، ولكن آثارها ما تلبث أن تطفو على السطح.

وبشكل ما سرى اعتقاد أن هناك درجة من خيبة التوقعات الداخلى تنتشر، وأن محاولة لتعويضها تجرى بالظهور الخارجى، وتجاوزت الأمور حتى ساد الظن أن «الخارج الدولى» يجرى استعماله ساترا للقصور الداخلى، وناقشت الموضوع صراحة، ومرة أخرى مع «أسامة الباز»، وكان رأيه: «أن مجال العمل فى الداخل محصور، وأنه ربما استطاع العمل الخارجى أن يضيف شيئا» ــ وسألنى أسامة: «ألم يكن ذلك يحدث فى عهد الرئيس «عبدالناصر«؟!» ــ وقلت «إن العمل الخارجى فى وقت «عبدالناصر» كان فى خدمة الداخل، وأشرت كنموذج إلى معركة بناء «السد العالى«، بما مؤداه ــ دون داعٍ إلى كثرة التفاصيل ــ أن الاهتمام بالسياسة الخارجية فى ذلك الزمن كان مطلبه النهائى داخليا».

مُضافا إلى ذلك «أنه أى الجزء الرئيسى من ذلك الجهد كان بهدف استكمال تحرير العالم العربى، خصوصا فى الخليج واليمن، ثم تأكيد استقلال أفريقيا بالتركير على دول حوض النيل وجواره، وأخيرا إقامة جبهة عريضة من دول العالم الثالث مطلبها الدفاع عن الحرية والعدل فى مجتمع الدول».

وأما الآن فإن النشاط الخارجى يبدو أمامى ــ كذلك قلت لـ «أسامة الباز» ــ موجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصبحت زيارتها حجا سنويا منتظما إلى واشنطن، موعده الربيع مع كل رئيس أمريكى!!

مبارك وزوجته مع الرئيس الأمريكي ريجان وزوجته

وكانت المواكب المسافرة إلى واشنطن تتوقف للاستراحة فى باريس ولندن، ثم تستأنف السفر تعبر المحيط إلى الشاطئ الأمريكى.

وقلت لـ «أسامة» يومها: «إن عددا من ساسة أوروبا لم تعد تريحهم هذه الزيارات لعواصمهم، ورجوته أن ينقل إلى الرئيس «مبارك» أننى سمعت الرئيس الفرنسى «ميتران» يعبر عن شعوره بهذا الموضوع متحرجا بقوله «إن باريس أهم من أن تكون محطة على الطريق إلى واشنطن».

بمعنى أن «ميتران» يريد أن يشعر أن زيارة الرئيس المصرى لفرنسا هى زيارة لفرنسا، وليس محطة استراحة على الممر إلى أمريكا!!

ثم إن الرئيس «ميتران» وذلك ما سمعته منه ــ يريد أن يرى لهذه اللقاءات جدول أعمال مفيدا للبلدين، بحيث يجرى الترتيب له قبل أى لقاء بدراسات خبراء ومناقشات وزراء خارجية.

ولم أقل لأسامة الباز ما سمعته من «ميتران» عن شكواه من أن معظم لقاءاته مع «مبارك»، لم تكن جلسات سياسية وإنما مجرد مناسبات اجتماعية تُحكى فيها الحكايات، وتطول الروايات، ومعظمها مما يدخل فى باب «النميمة» عن ساسة عرب آخرين يحكيها الرئيس «مبارك» من باب التندر والسخرية.

●●●

كان ذلك التوجُّه إلى الخارج أصلا بلا جدوى، إذا لم يكن مقصده النهائى هو الداخل، بدءا منه وعودة إليه، وهدفه النهائى البناء فوق الأساس وخدمته وطنيا أو قوميا، أما التركيز على هذه القوى الكبرى التى يسافر إليها رئيس الدولة، وخلفه وفود جرارة، ثم تكون حصيلتها فيضا من الصور يسيل على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون فجهد عقيم، لا نتيجة له ولا مردود، وإنما هو نوع من توظيف غير الموجود فى طلب غير الممكن، لأن هذه القوى الكبرى تتعامل مع غيرها بحسابات «القدرة»، ولا يحركها غير منطق المنفعة والربح، وأما حين يكون المطلوب ــ وهو ظاهر أمام الجميع تغطية قصور الداخل بظل الخارج ــ فإن المحصلة صفر وبالتناقص أيضا، بصرف النظر عن حجم الوفود، وكثرة الصور، وتكاليف السفر!!

●●●

وفجأة فى أجواء فترة الرئاسة الثالثة وقعت فى مصر واقعة، فقد انفجر تمرد الأمن المركزى يوم 25 فبراير سنة 1986، وانفلت الأمن، وانكشف الساتر عن المستور، واضطر الرئيس «مبارك» إلى الاستعانة بالقوات المسلحة لاستعادة زمام السلطة.

وصحيح أن استعادة السلطة تحققت فى ظرف أسابيع، لكن النتائج والتداعيات التى ترتبت على واقعة تمرد الأمن المركزى أحدثت شرخا أكبر من مجرد تمرد قوات نظامية على سلطة الدولة، كما أنها ــ فى آثارها ــ أبعد من أن تنتهى بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع.

ولعلى أميل إلى اعتبار تلك الحادثة علامة ظاهرة ــ تستحق التوقف طويلا أمامها ــ فى شأن نظام «مبارك»، لأن اختلال الموازين زاد إلى درجة الانزلاق بعدها ــ بدلا من حالة هبوط على درجات سُلم كما كان قبلها!!

أحداث الأمن المركزي 1986

والسبب فى تحول الهبوط إلى الانزلاق بيِّن، لأن أزمة تمرد الأمن المركزى كشفت «مبارك» ــ بقسوة ــ أمام جبهتين:

ــ جبهة الخارج، لأنها أوضحت ــ سواء للولايات المتحدة أو غيرها من القوى ــ أن مركز «مبارك» فى السلطة ليس بالثبات الذى تصوروه بعد فوزه بالرئاسة مرتين.

ــ ثم جبهة الداخل لأن الأزمة كشفته أمام القوات المسلحة وهى سنده الأخير للبقاء، فهذه الأزمة جعلته يلجأ إلى سنده الأخير ليجعله حاميه الأول، وذلك ينزل بالحكم من مظلة الدستور إلى عصا الأمر الواقع، والفارق كبير!!

●●●

وربما يكفى لتصوير حساسية الموقف أن أتذكر من تلك المرحلة ــ اتصالا تليفونيا من الرئيس «مبارك» ــ ثم لقاء بعد ذلك مع المشير «عبدالحليم أبوغزالة» (وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة).

● وفى الاتصال التليفونى ــ كان اهتمام الرئيس «مبارك» على ما كتبته ونشرته «أخبار اليوم» من أن تمرد الأمن المركزى «يعكس أحوالا لا يصح النظر إليها باعتبارها قضية أمن، وإنما لابد من النظر إليها كقضية أوضاع اجتماعية أكثر بُعدا وعمقا».

ومن كلام الرئيس «مبارك» فإنه لم يكن من أنصار هذا الرأى، وكان قوله «إننى أعلق على هذه الحادثة بأكثر جدا من حجمها»، مضيفا: «أنا شخصيا لم أقلق، كنت أعرف من أول لحظة أنه فى مقدورى أن «أطبِّق» (هذا هو الوصف الذى استعمله بمعنى التطبيق) تمرد الأمن المركزى بالقوات المسلحة».

وعندما سألته مذكرا بالاحتمال الموازى على الناحية الأخرى:

«وإذا تمردت القوات المسلحة، فكيف يمكن «تطبيق» تمردها؟!».

وتردد الرئيس «مبارك» لحظة ثم قال:

ــ «إن زمن الانقلابات العسكرية انتهى!».

مبارك وأبو غزالة

● وأما اللقاء مع «أبو غزالة» فقد كان فى سكنه أيامها فى بيت على طريق مطار القاهرة مواجه لمبنى الكلية الحربية، ولسبب ما كان الصالون الذى جلسنا فيه معبأ بتلاوة من المصحف المرتل بصوت الشيخ «عبدالباسط عبدالصمد»، ولم أر بعينى مصدر الصوت، لكن التلاوة كانت ملء القاعة طول حديث امتد على ساعتين.

وتحدَّث «أبو غزالة» طويلا وضمن ما قال:

«إن هناك من يتآمر عليه عند الرئيس «مبارك»، يصورون للرئيس أنه (المشير «أبو غزالة») يرى نفسه أجدر بالرئاسة منه».

ويضيف «أبو غزالة» وبثقة بالنفس لافتة:

«الرئاسة لم تخطر على بالى، فأنا أعرف من أحوال البلد ما فيه الكفاية لإقناعى بالبقاء حيث أنا»، ويستدرك «هذا إذا كانت الرئاسة ضمن مطالبى، وهى لم تكن كذلك، فخلال الأحداث (تمرد الأمن المركزى) كانت: «دباباتى موجودة فى كل مكان فى العاصمة، ولو كان الاستيلاء على السلطة مطروحا بالنسبة لى لما احتاج الأمر منى إلى أكثر من ضابط (وحتى برتبة ملازم) يذهب إلى استوديوهات الإذاعة والتليفزيون ويلقى بيانا باسمى، وتنتهى القصة فى خمس دقائق، «وساعتها كان الشعب مستعدا لأن يرحب، وأيضا كان العالم مستعدا لأن يقبل!!».

●●●

فى تلك الظروف وقع التقاء ضرورات بين مطالب القلقين والمتشككين فى مصر بعد أحداث الأمن المركزى ــ وبين عناصر إقليمية ودولية متعددة فى صراع أكبر يتمدد باتساع الشرق الأوسط كله، وبمشاركة قوى العالم تقريبا.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول الأطراف الخارجية المهتمة بالشرق الأوسط (وبعدها بريطانيا إلى حد ما وربما غيرها)، وكلها قوى يهمها موقع المنطقة، وتهمها مواردها، وكلهم لا يستطيعون تحقيق مُرادهم بحروب مكشوفة، خصوصا الولايات المتحدة وهى مازالت بعد «ڤيتنام» تحاذر أن تضع قدما أمريكية على أرض آسيوية، بينما بريطانيا لا تقدر ولا تستطيع.

● وكان الاتحاد السوڤييتى ــ القوة العالمية الثانية ــ يحارب آخر معاركه خارج حدوده فى «أفغانستان»، فقد رصدت أجهزته عمليات تقوم بها المخابرات الأمريكية للنفاذ إلى داخل إمبراطوريته، وهدفها استثارة الشعوب الإسلامية فى الجمهوريات الجنوبية للإمبراطورية، والسلاح والموقع الذى يُستخدم للإثارة هو «أفغانستان»، والسلاح الذى يحرِّك المشاعر هو «الدين»، وكذلك تورط الاتحاد السوڤييتى فى غزو «أفغانستان» (والوثائق الأمريكية قبل غيرها تكشف أن «الكرملين» دُفع إلى التدخل العسكرى فى «أفغانستان» مرغما ــ أو كذلك تصوره ــ وكانت تلك خطة مرسومة لاصطياده واستنزافه فى الجبال الصعبة والوديان الموحشة ــ بحرب عصابات تنتظره لتستنزف دمه وسلاحه ــ وسمعته!!)، وبهذا التورط فإنه أعطى الفرصة لصيحة مدوية باسم «الجهاد الإسلامى ضد الإلحاد».

● وقتها أيضا كان قلب الشرق الأوسط يعيش زلزال الثورة الإسلامية التى أطاحت بنظام الشاه فى إيران، وأقامت حكمها وسلطتها فى البلد الأهم على رأس الخليج، وهو موطن البترول الأكبر، والجوار القريب من «أفغانستان» بكل ما يجرى فيها، ثم إن نداء الثورة الإسلامية خصوصا فى بدايتها أثار مخاوف كثيرة لها جذور تاريخية غائرة، فإيران قومية راسخة ومذهبها الشيعى فى احتكاك ــ خشن أحيانا ورقيق أحيانا أخرى ــ مع غيره من المذاهب الإسلامية، وبالتحديد مذهب أهل السنة.

والفتنة المذهبية وقود جاهز لمن يريد إشعال الحريق فى دار الإسلام بكاملها، وكذلك ارتفعت ألسنة اللهب!!

أى أنها حرب الجهاد ضد الإلحاد أولا، ثم حرب المذاهب الإسلامية فيما بينها ثانيا!!

● إلى جانب ذلك فقد راحت دواعى التوتر والخوف والقلق فى الخليج تتزايد وتلقى بوساوسها على دول ومشيخات وإمارات الخليج التى وجدت نفسها بين نارين ــ نار جوارها الشرقى فى «باكستان» وقد أصبحت القاعدة الرئيسية لحرب الجهاد ضد الإلحاد فى «أفغانستان» ــ إلى جانب نار أخرى تلسع بسخونة من وهج ما يجرى فى إيران على جوارها الشمالى، وباختصار فإن الخليج وجد نفسه وسط حرب على جبهتين: شرقا فى «أفغانستان» عن طريق «باكستان» (وهذه حرب الجهاد ضد الإلحاد)، وشمالا من «إيران» عن طريق «العراق» (وهذه حرب المذاهب الإسلامية)!!

●●●

وفى تلك اللحظة من حياة الشرق الأوسط كانت ضرورات الأطراف على اختلافهم تفرض حلفا بينهم تلاقت فيه عناصر متباعدة، تصنع للأحداث مجرى مختلفا، ومثل ذلك يقع فى الطبيعة، بمعنى أن زلزالا قد يحدث فى منطقة، تلامس تربة قد تكون هشة سواء قبل الزلزال أو بعده، وفى الجوار نهر يفيض بمياه تكاد تعلو فوق ضفافه، وفجأة ترتج المنطقة ويحدث شرخ فى التربة، ويندفع الماء، فإذا هو منحنى على النهر يدور حول مساره الأصلى، أو يشق لنفسه فرعا نحو اتجاه جديد.

وفى السياسة وفى تلك اللحظة التاريخية ــ حدث شىء مماثل فى منطقة الخليج، وتلاقت ضرورات على الساحة القلقة للإقليم، ورسمت منعرجا على مجرى الأحداث، يظهر على الخريطة وكأنه منحنى على النهر!!

وفى تلك اللحظة المتزاحمة بالضرورات كانت الأوضاع فى مصر ــ وبتفاعلات أحداثها الداخلية ــ وتمرد الأمن المركزى فى وسطها ــ تتوالى وتتداعى تأثيراتها، وبينها انكشاف سلطة الحكم، وظهور مركزين للقوة فى القاهرة، مع علاقات قلقة بين رجلين («مبارك» و«أبو غزالة»)، وكلاهما يريد لنفسه سندا ودعما.

●●●

وتبدَّى لكثيرين أن مصر هى الحل خصوصا مع اعتبارات طارئة:

ــ مصر دولة كبيرة فى الإقليم وهى دولته القاعدية، ثم إن ظروفها بعد معاهدة السلام حددت مجال فعلها، وهى متشوقة لدور تخرج به إلى الإقليم.

ــ وهى بلد يكاد يكون خزان طاقة بشرية غير محدودة.

ــ وهذه الطاقة فيها مورد فياض بشباب مستعد للجهاد ضد الإلحاد.

ــ وضمن هذا البلد عناصر توجَّهت نحو العنف، وهناك من لا يمانع فى تصديره خارج مصر، يتخلص منه، ويشغله بشىء آخر يلهيه عن الداخل المصرى.

ــ وأهم من ذلك فإن مصر توافر لديها فى نفس اللحظة مخزون هائل من السلاح السوڤييتى لم تعد فى حاجة إليه، لأنها نقلت تسليحها إلى نظم غربية (أمريكية بالذات)، وبدأت السياسة المصرية تحاول تصريف ما لديها مما لم تعد بها حاجة إليه، وباعت كثيرا منه فى صفقات للعراق قدرت فيها السعر الذى تبيع به، لأن احتياجات «صدام حسين» فى حربه ضد إيران فاقت كل التقديرات، والحاجة تجعل طالب السلاح مستعدا لقبول أية شروط.

وعندها اكتشف كثيرون ممن يبحثون أن الصيغة السحرية للوفاء بكافة الضرورات قد تكون فى القاهرة، وفى رجلين فيها بالتحديد: «مبارك» و«أبو غزالة».

● الأول لديه رئاسة الدولة المصرية بكل ما تمثله، وبكل ما تقدر عليه من اعتماد السياسات.

● والثانى لديه فائض سلاح ومعه القدرات الإنسانية المُدرَّبة على القتال.

وبين الاثنين طبقة فى مصر مستعدة لما يُطلب منها، خصوصا إذا كانت ثروة النفط هى التى تطلب، وكان النفوذ الدولى هو الذى يسند!!

●●●

ومن الإنصاف أن يُقال أن كل واحد من الرجلين كان لديه الحافز «المشروع» لدخول الساحة المتسعة والقلقة خارج الحدود.

● «مبارك» يتصور ــ مع ترجيح حسن النية ــ أن هذه اللحظة وبالجوار، وقوة الجذب السياسى، وضخامة الموارد الإنسانية المتاحة فى مصر ــ تمكن له فى زحام الأحداث أن يحصل على مساعدات مالية ضخمة تنفع فى تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية فى مصر، كما تخدم التطلعات التى تفتحت شهيتها للثراء فيها، ثم روَّعتها أحداث الأمن المركزى.

● و«أبو غزالة» من ناحية أخرى يتصور ــ ومن باب ترجيح حُسن النية أيضا ــ أنه يستطيع فى نفس الزحام أن يحقق مكاسب لها قيمة، ضمنها أن يجد سوقا للسلاح السوڤييتى الذى لم يعد يحتاجه بعد تغيير أنظمة التسليح فى مصر إلى التسليح الأمريكى، وهو بدعاوى ما يمكن أن تحققه هذه المبيعات يستطيع أن يزيد مشترياته من الأسلحة الغربية، ويستطيع توفير وسائل أوسع لدخول مجال تصنيع الصواريخ، وبالتوازى فإنه يستطيع توفير متطوعين للجهاد أنهوا خدمتهم العسكرية فى مصر، وهم على وشك التسريح من الخدمة، وليست هناك فرص عمل تنتظرهم، والخوف أن تلتقطهم «الجماعات المتشددة» فى مصر، والظن أنه يمكن إغراؤهم بأجور مغرية إذا هم قَبِلوا بمخاطر «التطوع» فى صفوف الجهاد ضد الإلحاد، وهنا يكون الثواب مضاعفا، ثواب عن الجهاد، ومنافع عن القتال!! ــ وربما تصور الرجلان معا أنه بالنسبة للسياسة الداخلية فى مصر، فإنها عصافير كثيرة بحجر واحد.

ــ أول العصافير موارد مالية تتدفق.

ــ والثانى عناصر من الشباب المستعد للجهاد، وتصديرها للخارج أفضل.

ــ ثم وهذا هو العصفور الأجمل شكلا والأزهى لونا، فإن كليهما يستطيع من خلال دور يقوم به أن يجد فى الخارج ما يستطيع به تعزيز أرصدته فى الداخل.

(وللأمانة فإنه يمكن أن يُقال إن هذه الفترة الحافلة وفرت لمصر سيولة ضخمة يسَّرت بعضا من أزماتها!!).

●●●

وشهدت السياسة المصرية فى تلك السنوات من أوائل التسعينيات من القرن العشرين أدوارا حساسة يقوم بها كل من الرجلين، والأدوار تتلاقى أحيانا، وتتنافس أحيانا أخرى، وتتقاطع فى أحوال أكثر مع محاولة توزيع الاختصاصات بين الرجلين فى شراكة قلقة وسط زحام اختلط فيه الحابل والنابل فى المنطقة، صراعا على التفوق، وعلى النفوذ، وعلى المال، وعلى المستقبل!!

وكانت الولايات المتحدة موجودة «بشدة» فى القاهرة، وكانت الولايات المتحدة موجودة «بأشد» فى الخليج.

الخليج العربي

وبشكل ما فإن «مبارك» ــ وهو رئيس الدولة ــ أصبح مختصا رئيسا بالعلاقة مع الأمن القومى فى البيت الأبيض فى واشنطن (ومعه وكالة المخابرات المركزية)، وبدوائر الأسر الحاكمة فى دول وإمارات ومشيخات الخليج.

كما أن «أبو غزالة» بالتوازى أصبح مختصا بالعلاقات العملية على الأرض وبالقيادة المركزية الأمريكية، وهى المسئولة عن أمن الشرق الأوسط، وبالطبع بالتعاون مع مؤسسات المخابرات والسلاح فى الخليج، وكلهم دون استثناء من أفراد الأسر الحاكمة فى بلدانهم.

وبالطبع فقد تسللت وراء الرجلين عناصر من الجماعات الجديدة التى ظهرت فى مصر، وقد دخلوا على المؤخرة يحاولون جمع ما تستطيع أيديهم أن تصل إليه من الغنائم والأسلاب.

وكانت تلك هى الفترة التى شهدت كثيرا من الغرائب.

● منها مثلا أن الجهاد فى «أفغانستان» احتاج إلى ستة آلاف بغل، لأن البغال أشد تحملا لطلوع الجبال فى «أفغانستان»، وتكفَّل أحد رجال الأعمال من المحظوظين باستيراد البغال ــ ستة آلاف بغل من قبرص، وشحنها إلى «أفغانستان».

● ثم اكتشف أحدهم أن الشيخ «زايد» رئيس دولة الإمارات يريد أن يتخلص من الحمير فى الإمارات، فجمع ما كان منها فى بلده، وأرسله هدية إلى من يحتاجها فى الريف المصرى، لكن هدية الحمير وجدت من يحصل عليها، ثم يعيد بيعها لأفغانستان، ومع أنها لم تكن مطلوبة إلا أنها وصلت إلى الميدان، وكان يمكن استعمالها للنقل على الخطوط الخلفية للجهاد، وقد كان!!

وكان الجهاد ضد الإلحاد فى حاجة إلى الكثير، بصرف النظر عن البغال والحمير، وإذا فوران المنطقة يتحول فى مصر إلى سوق مفتوح لكل شىء، والمشترى موجود دائما، والمال وفير!!

ورغم أن العلاقات السياسية بين مصر وبقية الدول العربية كانت مقطوعة فى معظم تلك الفترة من آثار صلح منفرد بين مصر وإسرائيل، فإن تلك الفترة شهدت وراء الستار درجة من القُرب نادرة المثال، لأن الضرورات المباشرة للأطراف ــ وليست الأفكار والمشروعات القومية ــ أصبحت الإطار والوعاء والدافع والمحرك!!

●●●

وظهرت وتفاقمت فى مصر حالة فوضى شديدة بين السياسة والسلاح والمال، وبين القرار السياسى وفعل المخابرات، وبين سلطة الدين وسلاح السلطة، فقد كان الجهاد فى حاجة إلى «ضخ» الفتاوى، قدر حاجته إلى «شفط» المال!!

وكذلك راح الداخل المصرى يعيش أحوال سيولة خطرة، وفى خضم تلك الأحوال وجَّه «مبارك» ضربته القاضية إلى منافسه الأكبر داخل مصر، وهو المشير «أبو غزالة»، وقد وجهها وهو يعرف أن أرصدته فى الإقليم وفى مواقع القرار فى «واشنطن» أكبر من أرصدة منافسه، وكذلك ضرب مطمئنا إلى أنها مجازفة محدودة، سواء فى الداخل المصرى أو خارجه!! ــ فقد كان هو الطرف الأكثر تأثيرا فى الحرب بين العراق وإيران، خصوصا وأن ظروفها وملابساتها فتحت الطريق إلى عودة العلاقات بينها وبين بقية العالم العربى ــ رسميا ــ كما عادت واقعيا.

●●●

وفى وسط هذه المرحلة نشبت موقعة جديدة، فقد زارنى الأستاذ «إبراهيم سعدة» (رئيس تحرير «أخبار اليوم») وقتها، واقتراحه أن أكتب لـ«أخبار اليوم»، فلا يُعقل من وجهة نظره أن تظهر كتاباتى فى صحافة العالم كله، وتظل غائبة فى مصر.

وكانت دعوتى للكتابة فى مصر وقد شاع خبرها ــ أثارت ضيقا فى بعض أوساط الحكم، لكن الرئيس «مبارك» وقف ــ للحق ــ مُدافعا عن دعوتى للكتابة!!

وفى الواقع فإننى لم أكن واثقا من أننى ممنوع من الكتابة بالمعنى الحرفى للكلمة، فقد كان الأمر ملتبسا شأن غيره من الأمور فى ذلك الزمان، ولكن المؤكد فيه بالنسبة لى أننى لم أكن أريد دورا فى الصحافة المصرية، عن اعتقاد بأن حركة الزمن وتعاقب الأجيال قضية تستحق الاعتبار، وبرغم ذلك قبلت الدعوة!

●●●

واهتم يومها ــ كثيرون ــ بما سوف أكتب، وما سوف أقول، عندما أعود إلى الكتابة فى مصر بعد غياب.

ومر علىَّ الدكتور «أسامة الباز» (أيضا)، يسألنى عما أنوى الكتابة فيه، وتفضَّل واقترح أن يكون الموضوع الذى أبدأ به هو الحرب العراقية الإيرانية (وهو شاغل الناس فى تقديره وقتها)، ولم أعلق، لأنى كنت قد اخترت موضوعى بالفعل، ولم أشأ إحراجه بالحديث مُسبقا عنه، لأن اختيارى كان أن أكتب فى موضوع «صُنع القرار السياسى المصرى الآن»، وظنى أنه الموضوع الذى زاد إلحاحه وسط ما يجرى فى مصر والمنطقة من أحداث!!

●●●

وظهر المقال الأول، وفيه نقد من موقع الحرص على سلامة القرار السياسى المصرى أكثر من كونه معارضة رافضة، لكن الرأى لم يعجب «مبارك» وضايقه، وكان ذلك مقدرا فى حسابى، لكن ردة فعل «مبارك» كانت أبعد مما ظننت، وكان الذى نقل إلىَّ ذلك دون قصد هو المهندس «حسب الله الكفراوى»، الذى زارنى مساء يوم صدور مقال «أخبار اليوم» على غير موعد ليقول لى: «إنه كان فى صحبة الرئيس اليوم على طائرة إلى الغردقة، وأن مقالى كان مثار الأحاديث طول الرحلة، وأن الرئيس كان مكفهر الملامح معظم الوقت، وحين قلت لـ«الكفراوى» إننى نقدت من موضع ودّ، علا صوته يقول:

«أى ود، أنت وضعت الرئيس فى موضع التلميذ، و«قرمعت» أصابعه بسن المسطرة!!».

(وكان المهندس «حسب الله الكفراوى» حتى ذلك الوقت يُحسن الظن بـ «مبارك»، لكن الرجل بدأ يرى من موقعه ما دفعه فيما بعد إلى العصا الغليظة، وليس قرمعة الأصابع بالمسطرة فقط!!).

وفى أعقاب نشر المقالين الأول والثانى عن صنع القرار السياسى فى مصر، قامت قيامة السلطة بكل أدواتها، خصوصا فى الحزب الوطنى ــ وآثرت أن أختصر، وكان تقديرى أن أكتب فى «صنع القرار السياسى فى مصر» ثلاثة مقالات، واكتفيت بثانية كنت قد أرسلتها فعلا إلى الأستاذ «إبراهيم سعدة».

وفى الحقيقة فإننى لم أشأ إحراجه، خصوصا وقد عرفت أن أمامه فرصة لتولى رئاسة مجلس إدارة «أخبار اليوم».

المصدر : http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01022012&id=b3597e03-c4ae-495c-a359-8c6254762eae

مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان (الحلقة الثامنة) ... هواجس قديمة وجديدة!!!



طوال الفترة الأولى من رئاسة «مبارك» تفاوتت المواقف بشأنه لدى جماهير الشعب المصرى، وتباينت الآراء:

ــ فريق مازال واقفًا عند بقايا «حكاية البقرة التى تضحك»، ولا يكف عن إطلاق النكات حوله.

ــ وفريق ثانٍ يطلب من الرئيس الجديد فوق ما تحتمله الظروف، دون إدراك للمصاعب والقيود التى تعترض طريقه، حتى لقد وصل البعض فى هذا المجال إلى مطالبة «مبارك» بنقض «معاهدة السلام» مع إسرائيل، كى يعود إلى الصف العربى.

مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان (الحلقة السابعة) ... لا مؤاخذة!!



محمد حسنين هيكل

منذ ذلك اللقاء الأول ــ والمطول ــ مع الرئيس «مبارك»، كان بين ما لفت نظرى ــ وبشدة ــ توسعه الشديد فى استعمال ألفاظ يصعب تداولها فى أحاديث السياسة، ومعظمها مما تتجنبه الأعراف، وبعضها مما تطاله مواد القانون!!

مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان (الحلقة السادسة) .. فى باريس حكايات أخرى!



محمد حسنين هيكل

ربما كان اختيار «مبارك» دون غيره من «المرشحين المحتملين» نوابا لرئيس الجمهورية ــ مفاجئا لى (رغم كل ما كنت عرفته من علاقات سابقة بين الرجلين، خصوصا تلك التجربة المشتركة فى «الخرطوم»!)، لكن احتمال اختياره ــ كما أبدت لى الظروف ــ لم يكن على الأرجح مفاجئا لغيرى.

الأحد، 5 فبراير 2012

رجائى عطية : انهيار السلطة التنفيذية يؤدى الى انهيار الدولة

رجائى عطية : انهيار السلطة التنفيذية يؤدى الى انهيار الدولة

ـ توليت قضية شهداء مباراة الأهلى والمصرى و"الشيوع" فى تلك القضايا مشكلة كبرى .
ـ أطالب النخبة بالقيام بدورها وأطالب تنحى من يزيدون احتقان الشارع .
ـ النظام السابق جَمَد الصحافى على مدى اكثر من خمسة وعشرين عاماً وأطالب الاعلام بالقيام بمسؤولياته عن طريق أصحاب من لديهم القدرة على الخطاب .

مبارك يعترف امام المحكمة بانه رئيس سابق لمصر

بالمستندات :مبارك يعترف امام المحكمة بانه رئيس سابق لمصر



فى 23 يوليو 2011 الماضى تقدم الرئيس المخلوع مبارك بطعن للمحكمة الادارية العليا على حكم القضاء الادارى بتغريمة 540 مليون جنيها تعويضا عن قطع الاتصالات والانترنت وقت الثورة

تفاصيل مذبحة بورسعيد

الدنف يعترف .. ويروي تفاصيل مذبحة بورسعيد


أدلى المتهم الأول فى قضية مذبحة الاستاد باعترافات تفصيلية، لوقائع قتل نحو 74 مشجعا من جمهور النادى الأهلى، فى مباراة الأربعاء الأسود، والتى انتهت بمذبحة.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...