الأربعاء، 4 يناير 2012

وضع الجيش والاقتصاد والإسلام السياسى

وضع الجيش والاقتصاد والإسلام السياسى.. 3 مطبات فى طريق الثورة



سجل الحصاد السياسى للعام 2011 المنصرم، 6 إنجازات سياسية كبرى وغير مسبوقة على امتداد تاريخ الدولة المصرية الطويل، صاحبها عدد من "الأعراض الجانبية" والسلبيات التى أسفر تفاعلها عن 3 تحديات رئيسية يمكن وصفها بـ "المطبات العارضة"، فى حال نجحت أطراف اللعبة فى التغلب عليها خلال الشهور الستة الأولى من العام الجديد.

وتظهر هذه الإنجازات فى:
أولا- اندلاع أول ثورة حقيقية فى تاريخ المصريين فى 25 يناير الماضى أجبرت الرئيس حسنى مبارك على التنحى، وقامت بتصفية أهم مؤسسات النظام المستبد القمعى (المجالس المحلية ومجلسى الشعب والشورى والحزب الوطنى وجهاز أمن الدولة)، وقدمت "نموذجا ثوريا" ملهما للعالم وخاصة فى أيامها الأولى أعاد لمصر جزءا من مكانتها الإقليمية والدولية الضائعة.

ثانيا – استمرار هذه الثورة - بحسب عبد الغفار شكر القيادى اليسارى ووكيل مؤسسى حزب "التحالف الشعبى" - فى الحفاظ على حيويتها بتقديم نموذج فى الضغط الجماهيرى من خلال الحشد المليونى الذى نجح فى انتزاع العديد من المكاسب السياسية المهمة من السلطة الجديدة.

ثالثا - تبلور كتلة نوعية حرجة من الشباب القادر على دفع ثمن الحرية واستخدام أدوات تكنولوجيا الاتصال الحديثة فى تبادل الخبرات الاحتجاجية والتعبئة وإدانة السلطة وتوثيق جرائمها.

رابعا - نجاح المصرى فى كسر حاجز الخوف والخروج من صورته النمطية كإنسان خانع،

خامسا - الشروع فى إقامة أول نظام ديموقراطى وفتح الباب لحياة سياسية وحزبية جديدة، وهو ما تجلى فى تأسيس عشرات الأحزاب ودخول قوى إسلامية وليبرالية ويسارية للساحة السياسية، سادسا - إجراء أول انتخابات حرة منذ 60 عاما، وسط مشاركة واسعة وغير مسبوقة عبر تاريخ مصر النيابى.

يقول المفكر السياسى السيد ياسين "ليس هناك شك فى أن ثورة‏ 25 يناير غيرت بشكل جذرى المجتمع السياسى السلطوى الذى قام طوال عهد الرئيس السابق حسنى مبارك‏ على أساس احتكار السلطة، وانفراد الحزب الوطنى بالهيمنة علي مجمل الفضاء السياسي عبر شبكات الفساد وممارسة التزوير المنهجى للانتخابات، وحولته إلى مجتمع ثورى بكل ما فى الكلمة من معان ودلالات".‏

غير أن هذا "الانفجار الثورى"، صاحبه عدد من الأعراض الجانبية برزت أهم ملامحها فى انهيار الأمن وتدهور الوضع الاقتصادى، وهى ما كان يمكن علاجها بالتدريج، لولا فشل إدارة المرحلة الانتقالية، فى رسم خريط طريق توافقية تبدأ بوضع الدستور وانتخاب الرئيس ثم البرلمان، وإعادة هيكلة جهاز الشرطة وتبنى برنامج عاجل لتحفيز الاقتصاد، الأمر الذى أدخل البلاد - وفقا لعبد الغفار شكر - فى مواجهات كان من الممكن تجنبها بدءا من أحداث 9 مارس ومرورا بأحداث محمد محمود ووصولا إلى مجلس الوزراء، لتسود حالة من الإضطراب السياسى شكلت مع عنصرى الأمن والاقتصاد دائرة من التفاعل السلبى المستمر، وضع البلاد على حافة الجبل.

وأسهمت ثلاث عوامل رئيسية فى خلق هذا الإضطراب، الأول: هو طبيعة الثورة المصرية التى تندرج تحت نمط "الثورة الشعبية" الذى يتسم – بحسب الدكتورة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة "الديموقراطية" – بـ "الارتجال والتوتر والإنقسام وعدم وجود قائد توافقى وغياب الهوية وعدم التوافق حول رؤية محددة بشأن الإصلاحات السياسية والدستورية والإجتماعية والإقتصادية"، ومن ثم عدم القدرة على انجاز سريع لمهمة نقل مركز السلطة إلى القطاع الأوسع من الشعب الذى قام بالثورة، والثانى: غياب التوافق السياسى على كيفية إدارة المرحلة الانتقالية، وسيطرة عقلية الغنيمة على قوى سياسية محافظة شكلت عامل إسناد رئيسى للثورة ودخولها فى مفاوضات جانبية مع مركز السلطة الجديد حول مسار المرحلة الإنتقالية بمعزل عن القوى الثورية، وهو ما تسبب – وفقا للدكتور عبد الجليل مصطفى المنسق العام لـ "الجمعية الوطنية للتغيير" - إلى شيوع حالة من التنازع والإنقسام والإستقطاب،

والثالث: فشل النخبة الحاكمة فى بناء خطوات ثقة مع الشارع والثوار، وفشل النخبة الثورية فى الالتحام بالجماهير وإحكام السيطرة على الميدان، لتقع البلاد فريسة بين "غوغائية الشارع" و"استهتار ثوريين متطرفين" و"انتهازية النخبة التقليدية"، مما خلق حالة من الإحباط فى أوساط قطاعات واسعة من الشعب، بدت خلال الشهور الأخيرة فى حالة خصومة مع الميدان وليس مع الثورة.

ووفرت هذه الأجواء مدعومة بضعف الوعى السياسى وارتفاع نسبتى الفقر والأمية وعدم القدرة على تطبيق القانون ضد انتهاكات ممارسة النشاط السياسى على أساس دينى، بيئة خصبة، لاكتساح التيار الإسلامى - الذى يملك شبكة واسعة من الرعايا الإجتماعية - انتخابات مجلس الشعب على حساب القوى الثورية والتقدمية "غير المنظمة"، بحصوله على نسبة شبه مماثلة لما كان يحصل عليها الحزب الوطنى فى السابق، وهو ما أوقع جزءا كبيرا من أوراق اللعبة فى يد هذا التيار وفى القلب منه حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمون مع اقترابه من حصد نصف مقاعد مجلس الشعب.
وأفرزت هذه التداعيات 3 تحديات رئيسية أمام إنجاز عملية التحول الديمقراطى: الأول - قدرة القوى السياسية وعلى رأسها حزب "الحرية والعدالة" فى بناء ائتلاف وطنى حقيقى للدفع فى اتجاه إنجاز سريع لمتطلبات التحول الديمقراطى بتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور وإجراء حوار ناجح مع المجلس العسكرى لتجاوز "عقدة النص" المرتبطة بوضعية الجيش فى الدستور ومصدر التشريع، تمهيدا لإجراء انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة قبل أول يوليو المقبل، والتحضير لخريطة الانطلاق للمستقبل، والثانى - إعادة الأمن عبر إعادة هيكلة جهاز الشرطة وتغيير عقيدته ليعمل فى إطار من سيادة القانون، والثالث - إعادة الانتعاش إلى الاقتصاد المصرى والحفاظ على التراكم الرأسمالى الذى تكون على مدى العشرين عاما الماضية، وإلا فإن مصر – طبقا للدكتور أسامة الغزالى حرب القيادى التاريخى لحزب "الجبهة الديمقرطية" - معرضة لانتفاضات خبز فى ظل ارتفاع نسبة الفقر وانتشار العشوائيات.

إلا أن الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، يرى "أن الاتفاق على الدستور هو تحد سهل يمكن تجاوزه فى ظل وجود توافق حول أبوابه الأربعة الأولى بما فيها مسألة الهوية"، مستثنيا وضع الجيش الذى اعتبره أكثر النقاط صعوبة وتحتاج إلى إجراء حوار مشترك للوصول إلى صيغة لا تجعل الجيش منغمسا فى الحياة السياسية وتخضعه للبرلمان، وتحترم في الوقت نفسه خصوصية المؤسسة العسكرية ولا تجعلها مشاعا للجميع".

وبرغم تطمينات العريان بشأن قبول حزب "الحرية والعدالة" للنص الحالي لـ "المادة الثانية" فى الدستور، فإنه من المنتظر أن تتسبب هذه المادة فى معركة حامية، مع تمسك حزب "النور" الذى يقترب من حصد ربع مقاعد مجلس الشعب، بدولة ذات مرجعية اسلامية كاملة فى الأحكام والمبادئ والأهداف والنص على أن يكون رئيس الدولة مسلما، ورفضه إصطلاح "الدولة المدنية المرادف للدولة العلمانية".
وبالخلاف لذلك، فإن العريان يرى أن النص الحالى للمادة الثانية الذى يقضى بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع يعنى أيضا تطبيق الشريعة ومن ثم فلا حاجة لتعديله، قائلا "الأحكام متنوعة ومختلفة، ومن يقول أن هذا الحكم قطعى أو غير قطعى؟، هذا الأمر متروك للهيئة البرلمانية ورأيها فى كل حالة".

ويربط المفكر السياسى الدكتور عبد المنعم سعيد، نجاح المصريين فى عبور هذا النفق، بتحقق 3 شروط رئيسية، هى: انخفاض درجة حرارة الدولة مع استكمال عملية التحول الديموقراطى وبدء فترة رئاسية جديدة واستئناف النمو الإقتصادى وإعادة الأمن، وانتقال الثوار من الميدان إلى موقع المعارضة وتوقف حالة الشك والابتزاز السياسى للوطن، والتزام الإسلاميين بالعملية الديمقراطية والاقتصادية وبناء "الحرية والعدالة" توليفة برلمانية مع حزب "الوفد" مثلا، وتشكيل "الكتلة المصرية" للمعارضة.

ويثير الفوز الكاسح لجناحى "التيار الإسلامى"، فى انتخابات مجلس الشعب، مخاوف من خضوعهما لإغراءات القوة المفرطة والدخول معا فى تحالف برلمانى ربما غير معلن للسعى لاحتكار التشريع، أو إعاقة هذا التيار بحكم تكوينه المحافظ لتطور التجربة "الليبرالية" التى منحتها ثورة 25 يناير قوة دفع جديدة، تشى بإمكانية نضوج تيار وسط رئيسى قادر على بلورة نسقا "ليبراليا مصريا" لا يتصادم مع الدين والعدالة الإجتماعية.

غير أن العريان، حاول تبديد المخاوف من احتكار التيار الإسلامى للسلطة، بقوله "إن الإستراتيجية الثابتة للتيار الإسلامى الرئيسى الممثل فى حزب الحرية والعدالة، لا تقوم على التصادم وإنما بناء توافق وطنى، وخلق أغلبية برلمانية حول القضايا ذات الحساسية السياسية"، وقلل من أهمية هذه المخاوف، مشيرا إلى "أن التيار الإسلامى ليس كتلة واحدة ولا يوجد طرف واحد لديه أغلبية برلمانية مطلقة".
وهو ما يدعمه عبد الغفار شكر، بقوله "جماعة الإخوان ناضجة ولديها خبرة سياسية طويلة وقدرة على تقدير الموقف، وأتوقع قيامها بمحاولة بناء تحالف سياسى ليبرالى يسارى قومى، وخلق قدر من التوافق"، مضيفا أن الوضع فى مصر أكبر من أن يحتكره طرف واحد".

ويتفق الدكتور محمد أبو الغار مؤسس حزب "المصرى الديموقراطى الإجتماعى"، مع شكر، بقوله "الفوز الكاسح فى الانتخابات قد يمثل إغراء لأى جهة، لكن الموقف الإقتصادى والسياسى خطير، لدرجة إن الإخوان لن يفعلوا ذلك وفى تقديرى أنهم سيسعون لبناء توافق وطنى"، مضيفا "مصر دولة محورية فى إقليمها ولها مكانة مهمة فى العالم وليست فى حمل أن يتكاتف عليها أو يحاصرها، وأى تشريعات مجحفة سوف تثير الغرب علينا وتؤدى إلى تدهور المشاكل".

وبرغم، تفاؤله الحذر، تجاه الموقف "البراجماتى" لحزبى "الحرية والعدالة" و"النور"، من معاهدة كامب ديفيد، وموقفيهما "الوطنى المسئول" من الأحداث التى شهدتها البلاد خلال العام الماضى، فإن عبد المنعم سعيد، يشكك، فى قدرة التيار الإسلامى على المضى بالبلاد نحو النموذجين التركى أو الكورى على سبيل المثال، مرجعا ذلك إلى الطبيعة المحافظة للتيار الإسلامى، بقوله "توجد أجنحة محافظة داخل جماعة الإخوان إضافة إلى ارتباطها بأجندات قديمة وأجنحة محافظة مثل حركة حماس وجماعة الإخوان العالمية".

لكن العريان، يؤكد التزام حزبه ببناء دولة ديمقراطية حديثة، بقوله "إن التحدى الأكبر الذى نواجهه، هو التوافق على دستور يقيم دولة ديمقراطية حديثة تمهد الطريق لخمسين سنة مقبلة، ويفتح الباب لبناء اقتصاد حر يحقق التنمية، وإعلام موضوعى يحترم حق المواطن فى المعرفة، وقضاء مستقل، وشرطة وجيش - يخضع للرقابة والمحاسبة - فى ظل دولة ديمقراطية، والانتقال المتدرج إلى نظام إدارى لا مركزى".

المصدر : بوابة الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق