في مايو عام 1805 شهدت مصر أول ثورة ديمقراطية ناضجة في العصر الحديث.. وهى الثورة التي قادها علماء الأزهر واشتركت فيها كل فئات الشعب.. وقام قادة هذه الثورة بتنصيب محمد على باشا واليًا على مصر "باسم الشعب"دون انتظار لقيام السلطان العثمانى بإرسال والٍ من قبله. وتمت مبايعة محمد على حاكمًا"بشروط الشعب"التى تتضمن الفكرة القائلة بأن"الأمة هي مصدر السلطات".. حيث نصت هذه الشروط على أنه "تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة على سيره بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألايفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء. وأنه متى خالف الشروط عزلوه".
وعقب استقلاله بحكم مصر.. بدأ محمد علي ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة، بما فيها إقامة مجلس نيابي تمثيلي حديث، ففي عام 1824 تم تكوين"المجلس العالى"الذى يعد البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة حيث تكون من 24 عضوًا في البداية، ثم صار عددهم 48 عضوًا بعد إضافة 24 شيخًا وعالمًا إليه. وبذلك أصبح يتألف من نظار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان عن كل مديرية من مديريات القطر المصري ينتخبهما الأهالي.
وفي يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالي وحددت اختصاصاته بأنها"مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد على فيما يتعلق بسياسته الداخلية.."وقد تضمنت اللائحة الأساسية كذلك مواعيد انعقاد المجلس وأسلوب العمل فيه.
مجلس المشورة
أدى نجاح المجلس العالى إلى إنشاء مجلس آخر في عام 1829 هو مجلس المشورة الذى يعد نواة مهمة لنظام الشورى، حيث تألف هذا المجلس من كبار موظفى الحكومة والعلماء والأعيان برئاسة إبراهيم باشا ( ابن محمد على)، وجاء هذا المجلس في عدد أعضائه وتمثيلهم لمختلف فئات الشعب أشبه بجمعية عمومية مؤلفة من 156 عضوًا: منهم 33 عضوًا من كبار الموظفين والعلماء، و 24 عضوًا من مأمورى الاقاليم، و 99 عضوًا من كبار أعيان القطر المصري يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب.
وكان مجلس المشورة ينعقد لاستشارته في مسائل التعليم والإدارة والأشغال العمومية، وقد صدرت لهذا المجلس في عام 1830 مجموعة من التعليمات التي اشتملت على أسس وأساليب عمله، وفي عام 1833 سن مجلس المشورة قانونًا خاصًا به كان بمثابة تكملة للتعليمات السابقة، وتناول تنظيم فترات انعقاده، وإجراءات ما يجرى به من مداولات، وما يصدر عنه من قرارات.
وفي عام 1837 أصدر محمد على القانون الأساسى للدولة"السياستنامة"الذى ألغى مجلس المشورة وأحل مكانه مجلسين هما:"المجلس الخصوصى"لسن القوانين، و"المجلس العمومى"لبحث ما تحيله إليه الحكومة من أمور. وتم تنظيم الحكومة في شكل سبعة دواوين
أساسية.
مجلس شورى النواب
شهد عام 1866 الخطوة الأهم في تطور الحياة النيابية في مصر بإنشاء "مجلس شورى النواب"في عهد الخديوي إسماعيل، فهذا المجلس يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشارى تغلب عليه الصفة الإدارية.
وقد صدر المرسوم الخديوي بإنشاء المجلس في شهر نوفمبر 1866، متضمنا اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس.
وتضمنت اللائحة الأساسية ثمانى عشرة مادة: اشتملت على نظام الانتخابات، والشروط القانونية الواجبة للياقة العضو المرشح، وفترات انعقاد المجلس. وتضمنت سلطات المجلس"التداول في الشئون الداخلية، ورفع نصائح إلى الخديوي"وتأثرت لوائح المجلس بشدة بالنظم البرلمانية التي كان معمولاً بها في أوروبا في ذلك الوقت، خاصة الهيئة التشريعية الفرنسية.
وتكون مجلس شورى النواب من 75 عضوًا منتخبًا من قبل الأعيان: في القاهرة، والإسكندرية، ودمياط، وعمد البلاد ومشايخها في باقى المديريات الذين أصبحوا بدورهم منتخبين لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل. إضافة إلى رئيس المجلس الذى كان يعين بأمر من الخديوي.
وكانت مدة المجلس ثلاث سنوات ينعقد خلال كل سنة منها لمدة شهرين، وقد انعقد مجلس شورى النواب في تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية، وذلك في الفترة من 25 من نوفمبر 1866 حتى 6 من يوليو عام 1879م.
ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئًا فشيئًا، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إضافة إلى ظهور الصحف في ذلك الوقت مما عزز المطالبة الشعبية بإنشاء مجلس نيابي له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع.
وانعكست هذه المطالبة في عام 1878 عندما أنشئ أول مجلس وزراء في مصر (مجلس النظار) وأعيد تشكيل البرلمان، ومنح المزيد من الصلاحيات، وإن ظلت بعض الأمور خارجة عن اختصاص المجلس، مثل: بعض الشئون المالية.
وفي يونيه 1879 أعدت اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب تمهيدًا لعرضها على الخديوي لإصدارها، وهى اللائحة التي جعلت عدد النواب 120 نائبًا عن مصر والسودان، وكان أهم ما تضمنته اللائحة: تقرير"المسئولية الوزارية"، ومنح سلطات أكبر للمجلس في النواحى المالية. غير أن الخديوي توفيق الذى عُين في 26 من يونية 1879 رفض اللائحة وأصدر أمرًا بفض المجلس.. ولكن المجلس ظل ـ رغم ذلك ـ يعقد جلساته حتى يوليو 1879.
الجمعية التشريعية
في يوليو عام 1913 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. وتم إنشاء الجمعية التشريعية التي تكونت من 83 عضوًا: منهم 66 عضوًا منتخبًا، و17 عضوًا معينًا. ونص القانون النظامى الصادر في أول يوليو عام 1913 على أن تكون مدة الجمعية التشريعية ست سنوات.. وقد استمرت الجمعية من 22 من يناير 1914 إلى 17 من يونية 1914، حيث نشبت الحرب العالمية الأولى وأعلنت الأحكام العرفية في مصر.. ثم في ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وتم تأجيل انعقاد الجمعية إلى أجل غير مسمى. وفي عام 1915 أوقف العمل بأحكام القانون النظامى إلى أن ألغيت الجمعية التشريعية في أبريل 1923.
مجلس شورى القوانين
تضمن القانون النظامى الصادر عام 1883 تكوين البرلمان المصري من مجلسين هما:"مجلس شورى القوانين"و"الجمعية العمومية". كما أنشأ هذا القانون مجالس المديريات التي كانت وظيفتها إدارية لا تشريعية، ولكنها كانت تختص بانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين.
وقد تكون مجلس شورى القوانين من 30 عضوًا: منهم 14 عضوًا معينا، من بينهم رئيس المجلس وأحد الوكيلين، و 16 عضوًا منتخبًا منهم الوكيل الثاني للمجلس، وكانت مدته 6 سنوات. أما الجمعية العمومية فكانت تتألف من 83 عضوًا: منهم 46 عضوًا منتخبًا، والباقي أعضاء بحكم مناصبهم، وهم أعضاء مجلس شورى القوانين، وسبعة وزراء، ويرأس الجمعية العمومية رئيس مجلس شورى القوانين، وقد انعقد مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية في الفترة من عام 1883 حتى عام 1913، في 31 دور انعقاد على مدى خمس هيئات نيابية.
دستور 1923
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى اندلعت الثورة المصرية في عام 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة، وأسفرت هذه الثورة عن صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة (مع وجود تحفظات أربعة)، كما تضمن إنهاء الحماية البريطانية على مصر.
واستنادًا إلى هذا الواقع الجديد..تم وضع دستور جديد للبلاد صدر في أبريل عام 1923، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضوًا، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية، والزعامات الشعبية، وقادة الحركة الوطنية.
وقد أخذ دستور عام 1923 بالنظام النيابى البرلمانى القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات.. ونُظمت العلاقة بين السلطتين.. التشريعية والتنفيذية..على أساس مبدأ الرقابة والتوازن.. فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان، ودعوته إلى الانعقاد، ولكنه أعطى للبرلمان حق الاجتماع بحكم الدستور إذا لم يُدع في الموعد المحدد.
كما أخذ دستور عام 1923 بنظام المجلسين، وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وبالنسبة لمجلس النواب نص الدستور على أن جميع أعضائه منتخبون، ومدة عضوية المجلس خمس سنوات.
أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، وكان الخمسان معينين. وأخذ الدستور بمبدأ المساواة في الاختصاص بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.
وقد تزايد عدد أعضاء المجلسين من فترة لأخرى، حيث كان الدستور يأخذ بمبدأ تحديد عدد أعضاء المجلسين بنسبة معينة من عدد السكان. فكان أعضاء مجلس النواب في ظل دستور سنة 1923 هو 214 عضوًا واستمر كذلك من عام 1924 إلى عام 1930، ثم زاد إلى 235 عضوًا، ثم نقص العدد في ظل دستور سنة 1930 الذى استمر العمل به من 1931 - 1934 إلى 150 عضوًا، ثم زاد العدد مرة أخرى في ظل عودة دستور 1923 الذى استمر العمل به من 1936 ـ1952 ليصبح 232 عضوًا من 1936 إلى 1938، ثم أصبح العدد 264عضوًا من 1938 إلى 1949، ثم زاد بعد ذلك في عام1950 إلى 319 عضوا وظل كذلك حتى قيام ثورة يوليو في عام 1952.
وكان البرلمان الذى نص عليه الدستور المصري الصادر عام 1923 خطوة متقدمة في طريق الحياة البرلمانية والنيابية في مصر، إلا أن الممارسة على أرض الواقع جاءت مشوبة بالعديد من السلبيات، فتراوحت الحياة السياسية خلال الفترة من 1923 ـ 1952 ما بين فترات مد ديمقراطي وشعبي محدودة، وفترات انحسار نجمت عن تدخل من سلطات الاحتلال والقصر شغلت معظم هذه الفترة، الأمر الذى أسفر عن حل البرلمان نحو عشر مرات، فوق ذلك شهد عام 1930 صدور دستور جديد للبلاد، استمر العمل به لمدة خمس سنوات كانت بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية، إلى أن عادت البلاد مرة أخرى إلى دستور عام 1923، وذلك في عام 1935.
وهكذا تردت الأوضاع الدستورية ؛لأسباب داخلية وخارجية لتصل إلى الحالة التي كانت عليها البلاد قبيل ثورة 1952، والتى اتصفت بقدر كبير من عدم الاستقرار السياسي والحكومي، لدرجة أن مصر تعاقب عليها 40 وزارة، وتعديل وزارى، خلال الفترة من 1923 ـ 1952م.
الحياة النيابية في مصر بعد ثورة 1952
كان من بين المبادىء الأساسية لثورة 23 يوليو 1952 في مصر، مبدأ"إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، وذلك بعد أن قامت الثورة بإلغاء الدستور السابق وإعلان الجمهورية وحل الأحزاب.
وفي عام 1956 صدر الدستور الجديد، وتم بمقتضاه تشكيل مجلس الأمة في 22 من يوليو 1957 من 350 عضوًا منتخبًا، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادي الأول في 10 فبراير سنة 1958.
وفي فبراير 1958 ونظرًا لقيام الوحدة بين مصر وسوريا أُلغي دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة في مارس سنة 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ( 400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وعقد أول اجتماع في 21 من يوليو 1960 واستمر حتى 22 يونية عام 1961، ثم وقع الانفصال بين مصر وسوريا في 28 سبتمبر 1961.
وفي مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر في مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضوًا منتخبًا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.
واستمر هذا المجلس من 26 مارس1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، واجريت انتخابات المجلس الجديد في 20 من يناير 1969 والذى ظل قائما بدوره حتى 30 من أغسطس 1971، حيث مارس مجلس الأمة طوال هذه الدورات سلطاته الدستورية.
وفي 11 من سبتمبر 1971 صدر الدستور القائم حاليا في مصر، الذى طور دعائم النظام النيابى الديمقراطى مؤكدًا على سيادة القانون واستقلال القضاء، وأقر مبادىء التعددية الحزبية في إطار المقومات والمبادىء الأساسية للمجتمع المصري.
وشهدت الفترة التالية تحولات ديمقراطية متنامية، ففى عام 1976 أجريت الانتخابات التشريعية على أساس تعدد المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي كان قائما في ذلك الوقت.
وفي عام 1979 أُجريت أول انتخابات تشريعية في مصر على أساس حزبى، وذلك لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية في مصر عقب ثورة يوليو 1952، شاركت فيها عدة أحزاب سياسية تكونت بعد صدور قانون الأحزاب السياسية في عام 1977م، وفي عام 1980 تم إنشاء مجلس الشورى، وذلك لتوسيع دائرة المشاركة السياسية والديمقراطية.
وهكذا دخلت مصر مرحلة سياسية جديدة على أسس واضحة ومحددة من سيادة القانون، واحترام التعددية، وإعلاء قيم الحرية والمساواة.
وفي 14 من أكتوبر 1981 تولى الرئيس محمد حسنى مبارك رئاسة الجمهورية، حيث بدأت مصر عهدًا تميز بالتعزيز المتواصل لمناخ الحرية وسيادة القانون، واطلاق الحريات العامة، وأدخلت عدة تعديلات بقوانين على نظام انتخاب مجلس الشعب، بحثًا عن الأسلوب الأمثل للتمثيل الشعبى. ففى عام 1983 تم إقرار نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية، والتمثيل النسبي، وشاركت فيها مختلف الأحزاب السياسية. وفي عام 1986 صدر قانون بتعديل نظام الانتخاب على أساس الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردي.
غير أن التجربة أسفرت عن العودة إلى نظام الانتخاب الفردي. ففى عام 1990 صدر قرار بقانون بالعودة إلى ذلك النظام، وقسمت الجمهورية إلى 222 دائرة انتخابية، انتخب عن كل منها عضوان، يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين. وأصبح عدد أعضاء مجلس الشعب 454 عضوا منهم عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية.
وقد أكمل هذا المجلس مدته الدستورية في 12 من ديسمبر 1995، حيث أجريت الانتخابات التشريعية، وتم انتخاب المجلس الجديد الذى بدأ دور انعقاده الأول في 13 من ديسمبر 1995.
وعقب استقلاله بحكم مصر.. بدأ محمد علي ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة، بما فيها إقامة مجلس نيابي تمثيلي حديث، ففي عام 1824 تم تكوين"المجلس العالى"الذى يعد البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة حيث تكون من 24 عضوًا في البداية، ثم صار عددهم 48 عضوًا بعد إضافة 24 شيخًا وعالمًا إليه. وبذلك أصبح يتألف من نظار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان عن كل مديرية من مديريات القطر المصري ينتخبهما الأهالي.
وفي يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالي وحددت اختصاصاته بأنها"مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد على فيما يتعلق بسياسته الداخلية.."وقد تضمنت اللائحة الأساسية كذلك مواعيد انعقاد المجلس وأسلوب العمل فيه.
مجلس المشورة
أدى نجاح المجلس العالى إلى إنشاء مجلس آخر في عام 1829 هو مجلس المشورة الذى يعد نواة مهمة لنظام الشورى، حيث تألف هذا المجلس من كبار موظفى الحكومة والعلماء والأعيان برئاسة إبراهيم باشا ( ابن محمد على)، وجاء هذا المجلس في عدد أعضائه وتمثيلهم لمختلف فئات الشعب أشبه بجمعية عمومية مؤلفة من 156 عضوًا: منهم 33 عضوًا من كبار الموظفين والعلماء، و 24 عضوًا من مأمورى الاقاليم، و 99 عضوًا من كبار أعيان القطر المصري يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب.
وكان مجلس المشورة ينعقد لاستشارته في مسائل التعليم والإدارة والأشغال العمومية، وقد صدرت لهذا المجلس في عام 1830 مجموعة من التعليمات التي اشتملت على أسس وأساليب عمله، وفي عام 1833 سن مجلس المشورة قانونًا خاصًا به كان بمثابة تكملة للتعليمات السابقة، وتناول تنظيم فترات انعقاده، وإجراءات ما يجرى به من مداولات، وما يصدر عنه من قرارات.
وفي عام 1837 أصدر محمد على القانون الأساسى للدولة"السياستنامة"الذى ألغى مجلس المشورة وأحل مكانه مجلسين هما:"المجلس الخصوصى"لسن القوانين، و"المجلس العمومى"لبحث ما تحيله إليه الحكومة من أمور. وتم تنظيم الحكومة في شكل سبعة دواوين
أساسية.
مجلس شورى النواب
شهد عام 1866 الخطوة الأهم في تطور الحياة النيابية في مصر بإنشاء "مجلس شورى النواب"في عهد الخديوي إسماعيل، فهذا المجلس يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشارى تغلب عليه الصفة الإدارية.
وقد صدر المرسوم الخديوي بإنشاء المجلس في شهر نوفمبر 1866، متضمنا اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس.
وتضمنت اللائحة الأساسية ثمانى عشرة مادة: اشتملت على نظام الانتخابات، والشروط القانونية الواجبة للياقة العضو المرشح، وفترات انعقاد المجلس. وتضمنت سلطات المجلس"التداول في الشئون الداخلية، ورفع نصائح إلى الخديوي"وتأثرت لوائح المجلس بشدة بالنظم البرلمانية التي كان معمولاً بها في أوروبا في ذلك الوقت، خاصة الهيئة التشريعية الفرنسية.
وتكون مجلس شورى النواب من 75 عضوًا منتخبًا من قبل الأعيان: في القاهرة، والإسكندرية، ودمياط، وعمد البلاد ومشايخها في باقى المديريات الذين أصبحوا بدورهم منتخبين لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل. إضافة إلى رئيس المجلس الذى كان يعين بأمر من الخديوي.
وكانت مدة المجلس ثلاث سنوات ينعقد خلال كل سنة منها لمدة شهرين، وقد انعقد مجلس شورى النواب في تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية، وذلك في الفترة من 25 من نوفمبر 1866 حتى 6 من يوليو عام 1879م.
ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئًا فشيئًا، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إضافة إلى ظهور الصحف في ذلك الوقت مما عزز المطالبة الشعبية بإنشاء مجلس نيابي له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع.
وانعكست هذه المطالبة في عام 1878 عندما أنشئ أول مجلس وزراء في مصر (مجلس النظار) وأعيد تشكيل البرلمان، ومنح المزيد من الصلاحيات، وإن ظلت بعض الأمور خارجة عن اختصاص المجلس، مثل: بعض الشئون المالية.
وفي يونيه 1879 أعدت اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب تمهيدًا لعرضها على الخديوي لإصدارها، وهى اللائحة التي جعلت عدد النواب 120 نائبًا عن مصر والسودان، وكان أهم ما تضمنته اللائحة: تقرير"المسئولية الوزارية"، ومنح سلطات أكبر للمجلس في النواحى المالية. غير أن الخديوي توفيق الذى عُين في 26 من يونية 1879 رفض اللائحة وأصدر أمرًا بفض المجلس.. ولكن المجلس ظل ـ رغم ذلك ـ يعقد جلساته حتى يوليو 1879.
الجمعية التشريعية
في يوليو عام 1913 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. وتم إنشاء الجمعية التشريعية التي تكونت من 83 عضوًا: منهم 66 عضوًا منتخبًا، و17 عضوًا معينًا. ونص القانون النظامى الصادر في أول يوليو عام 1913 على أن تكون مدة الجمعية التشريعية ست سنوات.. وقد استمرت الجمعية من 22 من يناير 1914 إلى 17 من يونية 1914، حيث نشبت الحرب العالمية الأولى وأعلنت الأحكام العرفية في مصر.. ثم في ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وتم تأجيل انعقاد الجمعية إلى أجل غير مسمى. وفي عام 1915 أوقف العمل بأحكام القانون النظامى إلى أن ألغيت الجمعية التشريعية في أبريل 1923.
مجلس شورى القوانين
تضمن القانون النظامى الصادر عام 1883 تكوين البرلمان المصري من مجلسين هما:"مجلس شورى القوانين"و"الجمعية العمومية". كما أنشأ هذا القانون مجالس المديريات التي كانت وظيفتها إدارية لا تشريعية، ولكنها كانت تختص بانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين.
وقد تكون مجلس شورى القوانين من 30 عضوًا: منهم 14 عضوًا معينا، من بينهم رئيس المجلس وأحد الوكيلين، و 16 عضوًا منتخبًا منهم الوكيل الثاني للمجلس، وكانت مدته 6 سنوات. أما الجمعية العمومية فكانت تتألف من 83 عضوًا: منهم 46 عضوًا منتخبًا، والباقي أعضاء بحكم مناصبهم، وهم أعضاء مجلس شورى القوانين، وسبعة وزراء، ويرأس الجمعية العمومية رئيس مجلس شورى القوانين، وقد انعقد مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية في الفترة من عام 1883 حتى عام 1913، في 31 دور انعقاد على مدى خمس هيئات نيابية.
دستور 1923
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى اندلعت الثورة المصرية في عام 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة، وأسفرت هذه الثورة عن صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة (مع وجود تحفظات أربعة)، كما تضمن إنهاء الحماية البريطانية على مصر.
واستنادًا إلى هذا الواقع الجديد..تم وضع دستور جديد للبلاد صدر في أبريل عام 1923، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضوًا، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية، والزعامات الشعبية، وقادة الحركة الوطنية.
وقد أخذ دستور عام 1923 بالنظام النيابى البرلمانى القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات.. ونُظمت العلاقة بين السلطتين.. التشريعية والتنفيذية..على أساس مبدأ الرقابة والتوازن.. فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان، ودعوته إلى الانعقاد، ولكنه أعطى للبرلمان حق الاجتماع بحكم الدستور إذا لم يُدع في الموعد المحدد.
كما أخذ دستور عام 1923 بنظام المجلسين، وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وبالنسبة لمجلس النواب نص الدستور على أن جميع أعضائه منتخبون، ومدة عضوية المجلس خمس سنوات.
أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين، وكان الخمسان معينين. وأخذ الدستور بمبدأ المساواة في الاختصاص بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.
وقد تزايد عدد أعضاء المجلسين من فترة لأخرى، حيث كان الدستور يأخذ بمبدأ تحديد عدد أعضاء المجلسين بنسبة معينة من عدد السكان. فكان أعضاء مجلس النواب في ظل دستور سنة 1923 هو 214 عضوًا واستمر كذلك من عام 1924 إلى عام 1930، ثم زاد إلى 235 عضوًا، ثم نقص العدد في ظل دستور سنة 1930 الذى استمر العمل به من 1931 - 1934 إلى 150 عضوًا، ثم زاد العدد مرة أخرى في ظل عودة دستور 1923 الذى استمر العمل به من 1936 ـ1952 ليصبح 232 عضوًا من 1936 إلى 1938، ثم أصبح العدد 264عضوًا من 1938 إلى 1949، ثم زاد بعد ذلك في عام1950 إلى 319 عضوا وظل كذلك حتى قيام ثورة يوليو في عام 1952.
وكان البرلمان الذى نص عليه الدستور المصري الصادر عام 1923 خطوة متقدمة في طريق الحياة البرلمانية والنيابية في مصر، إلا أن الممارسة على أرض الواقع جاءت مشوبة بالعديد من السلبيات، فتراوحت الحياة السياسية خلال الفترة من 1923 ـ 1952 ما بين فترات مد ديمقراطي وشعبي محدودة، وفترات انحسار نجمت عن تدخل من سلطات الاحتلال والقصر شغلت معظم هذه الفترة، الأمر الذى أسفر عن حل البرلمان نحو عشر مرات، فوق ذلك شهد عام 1930 صدور دستور جديد للبلاد، استمر العمل به لمدة خمس سنوات كانت بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية، إلى أن عادت البلاد مرة أخرى إلى دستور عام 1923، وذلك في عام 1935.
وهكذا تردت الأوضاع الدستورية ؛لأسباب داخلية وخارجية لتصل إلى الحالة التي كانت عليها البلاد قبيل ثورة 1952، والتى اتصفت بقدر كبير من عدم الاستقرار السياسي والحكومي، لدرجة أن مصر تعاقب عليها 40 وزارة، وتعديل وزارى، خلال الفترة من 1923 ـ 1952م.
الحياة النيابية في مصر بعد ثورة 1952
كان من بين المبادىء الأساسية لثورة 23 يوليو 1952 في مصر، مبدأ"إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، وذلك بعد أن قامت الثورة بإلغاء الدستور السابق وإعلان الجمهورية وحل الأحزاب.
وفي عام 1956 صدر الدستور الجديد، وتم بمقتضاه تشكيل مجلس الأمة في 22 من يوليو 1957 من 350 عضوًا منتخبًا، وقد فض هذا المجلس دور انعقاده العادي الأول في 10 فبراير سنة 1958.
وفي فبراير 1958 ونظرًا لقيام الوحدة بين مصر وسوريا أُلغي دستور 1956، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة في مارس سنة 1958، شكل على أساسه مجلس أمة مشترك من المعينين ( 400 عضو من مصر ـ 200 عضو من سوريا) وعقد أول اجتماع في 21 من يوليو 1960 واستمر حتى 22 يونية عام 1961، ثم وقع الانفصال بين مصر وسوريا في 28 سبتمبر 1961.
وفي مارس 1964 صدر دستور مؤقت آخر في مصر، تم على أساسه إنشاء مجلس الأمة من 350 عضوًا منتخبًا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، انعكاسا لصدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية، إضافة إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.
واستمر هذا المجلس من 26 مارس1964 إلى 12 نوفمبر سنة 1968، واجريت انتخابات المجلس الجديد في 20 من يناير 1969 والذى ظل قائما بدوره حتى 30 من أغسطس 1971، حيث مارس مجلس الأمة طوال هذه الدورات سلطاته الدستورية.
وفي 11 من سبتمبر 1971 صدر الدستور القائم حاليا في مصر، الذى طور دعائم النظام النيابى الديمقراطى مؤكدًا على سيادة القانون واستقلال القضاء، وأقر مبادىء التعددية الحزبية في إطار المقومات والمبادىء الأساسية للمجتمع المصري.
وشهدت الفترة التالية تحولات ديمقراطية متنامية، ففى عام 1976 أجريت الانتخابات التشريعية على أساس تعدد المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي كان قائما في ذلك الوقت.
وفي عام 1979 أُجريت أول انتخابات تشريعية في مصر على أساس حزبى، وذلك لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب السياسية في مصر عقب ثورة يوليو 1952، شاركت فيها عدة أحزاب سياسية تكونت بعد صدور قانون الأحزاب السياسية في عام 1977م، وفي عام 1980 تم إنشاء مجلس الشورى، وذلك لتوسيع دائرة المشاركة السياسية والديمقراطية.
وهكذا دخلت مصر مرحلة سياسية جديدة على أسس واضحة ومحددة من سيادة القانون، واحترام التعددية، وإعلاء قيم الحرية والمساواة.
وفي 14 من أكتوبر 1981 تولى الرئيس محمد حسنى مبارك رئاسة الجمهورية، حيث بدأت مصر عهدًا تميز بالتعزيز المتواصل لمناخ الحرية وسيادة القانون، واطلاق الحريات العامة، وأدخلت عدة تعديلات بقوانين على نظام انتخاب مجلس الشعب، بحثًا عن الأسلوب الأمثل للتمثيل الشعبى. ففى عام 1983 تم إقرار نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية، والتمثيل النسبي، وشاركت فيها مختلف الأحزاب السياسية. وفي عام 1986 صدر قانون بتعديل نظام الانتخاب على أساس الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردي.
غير أن التجربة أسفرت عن العودة إلى نظام الانتخاب الفردي. ففى عام 1990 صدر قرار بقانون بالعودة إلى ذلك النظام، وقسمت الجمهورية إلى 222 دائرة انتخابية، انتخب عن كل منها عضوان، يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين. وأصبح عدد أعضاء مجلس الشعب 454 عضوا منهم عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية.
وقد أكمل هذا المجلس مدته الدستورية في 12 من ديسمبر 1995، حيث أجريت الانتخابات التشريعية، وتم انتخاب المجلس الجديد الذى بدأ دور انعقاده الأول في 13 من ديسمبر 1995.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق