الأحد، 8 أبريل 2012
المنشقون عن «طاعة الإخوان» من عصر «البنا» إلى حكم «بديع» (ملف خاص)
ربما يكمن سر قوة الإخوان، على مدى 80 عاما، فى قانون السمع والطاعة، وربما يكمن مقتلهم أيضا. الاستقالات الأخيرة وقرارات الفصل بجماعة الإخوان المسلمين لم تكن أول أزمة يواجهها الإخوان على مدار تاريخهم، بداية من أزمة قبول «البنا» تبرعاً من قناة السويس، وحتى جماعة شباب محمد التى أعلنت انشقاقها عن الإخوان المسلمين عام 1939، إلى كمال الهلباوى فى 2012 الذى استقال من الجماعة بعد الدفع بـ«خيرت الشاطر» كمرشح رئاسى لها.. تاريخ طويل من الاستقالات والانشقاقات عن الجماعة.
«العلاقة المترددة بالسلطة، طريقة فهم الدعوة، الخروج عن مجلس الشورى».. كلمات مفتاحية، فى تاريخ الانشقاق عن «عصا» الطاعة. فى هذا الملف تحاول «المصرى اليوم» رصد ما يمكن رؤيته من قمة جبل الثلج، فلكل تاريخ روايتان: رواية المنشق، المستقيل، المتمرد، ورواية الإخوان
بعد الثورة.. استقالات بالجملة ولعنة العسكر وعمر سليمان تطارد مكتب الإرشاد
شهدت جماعة الإخوان المسلمين بعد الثورة، أكبر حالة فصل واستقالات لأعضائها، نتيجة الخلاف فى الرؤى، وأبرز الأسباب التى أوردها المستقيلون كانت بسبب دعم المجلس العسكرى، ضد الثورة، فضلا عن اتهامات بالتفاوض مع عمر سليمان أثناء الثورة لإخلاء الميدان من أعضاء الجماعة مقابل السماح بتأسيس حزب وجمعية، فضلاً عن عدم نظر الطعون المقدمة فى انتخابات مكتب الإرشاد فى 2009.
ومؤخراً نشرت جريدة «الحرية والعدالة» الناطقة باسم الحزب بيانا بأسماء أعضائها المفصولين على مدار 80 عاماً، موضحة أسباب فصلهم، والتى لخصتها الجماعة بخروجهم على ما أقره مجلس شورى الجماعة، مبينة أن حالات الفصل كانت محدودة وأن الغرض منها الحفاظ على «كيان الجماعة»، وذلك بعد تزايد حالات نشر عدد من أعضائها، استقالات مكتوبة ومسببة تتلقفها الكتب سريعا، وآخرها استقالة على الهواء من كمال الهلباوى المتحدث السابق باسم الإخوان فى أوروبا.
كان اللافت هو أن من المفصولين عدداً من القيادات التاريخية للحزب، مثل عبدالمنعم أبوالفتوح لترشحه للرئاسة وأبوالعلا ماضى لتأسيسه حزب الوسط، ومحمد حبيب، وإبراهيم الزعفرانى لتشكيكه فى انتخابات المرشد العام، كما تم فصل داعمى أبوالفتوح، و10 من شباب الإخوان خالفوا قرار الجماعة بعدم الانضمام لأى حزب سوى الحرية والعدالة، وقاموا بتأسيس حزب التيار المصرى، من بينهم: إسلام لطفى، وعبدالرحمن خليل.
وكانت آخر حالة استقالة من الحزب لكمال الهلباوى، الذى أعلن استقالته على الهواء فى برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم» بعد أن دفعت الجماعة بخيرت الشاطر فى انتخابات الرئاسة رغم تصريحها فى أبريل الماضى بأنها لن تخوض الانتخابات، وأعرب الهلباوى فى البرنامج عن حزنه للأداء «المتخبط لقيادات الإخوان وسعيها للسلطة بشكل لا يختلف مع أداء الحزب الوطنى السابق، وفصلها للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح عندما أعلن ترشحه للرئاسة، مؤكداً وجود صفقات مستمرة وعدم شفافية، وأن المجلس العسكرى لو لم يكن موافقا على ترشيح الشاطر لما رفع الحظر عنه.
ووصف محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد، استقالة الهلباوى بأنها مجرد فرقعة إعلامية، وأن المتحدث الرسمى السابق للإخوان المسلمين فى أوروبا لا ينتمى لتنظيم الإخوان.
استقالة الهلباوى سبقتها استقالات كثيرة مسببة ومكتوبة، وعلى عكس الأداء السرى للجماعة طيلة 80 عاما، كان الإعلام إحدى وسائل النشر العلنى لتلك الاستقالات. ففى أبريل 2011 نشرت الصحف نص استقالة إبراهيم الزعفرانى، أحد قيادات الجماعة فى الإسكندرية، وعضو مجلس الشورى بها، والذى خدم الجماعة أكثر من 45 عاما وفقاً لنص الاستقالة التى قدمها إلى المرشد العام الدكتور محمد بديع، والتى جاء فيها «لقد عشت داخل تنظيم الإخوان، 45 عاماً، أظن أنى كنت ثابتاً فيها كغيرى من الإخوان الكرام، حتى كانت أوائل سنة 2010، حيث أجريت انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد العام، وكانت لى اعتراضات على اللائحة، وضرورة تطويرها وكذلك مذكرة فيما جرى فى الانتخابات ومر عام وأكثر ولم يحدث تطوير ولم أتسلم رداً على مذكرتى».
وأضاف الزعفرانى «بعد ثورة 25 يناير لم أر تغييراً حقيقياً وظهرت دلائل هى فى نظرى لا توحى بفصل الحزب عن العمل الدعوى والتربوى والاجتماعى بعد أن قام مكتب الشورى بتعيين وكيل مؤسسى الحزب، مما يعنى تبعيته لتنظيم الإخوان المسلمين» وعن قرار الجماعة بعدم اشتراك أعضائها فى أى أحزاب أخرى غير حزب الحرية والعدالة، يرى القيادى السابق «حرمان لأفراد الإخوان من الاندماج فى المجتمع».
استقالة الزعفرانى سبقتها استقالة أخرى مسببة من القيادى بجماعة الإخوان بالإسكندرية ومدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبوخليل التى قدمها فى 31 مارس 2011، وأورد فيها 12 سبباً أبرزها التفاوض مع عمر سليمان أثناء الثورة. يقول أبوخليل فى نص استقالته: «أستقيل لاعتراضى على عدم اتخاذ إجراء صارم وحاسم ضد أعضاء من مكتب الإرشاد ذهبوا إلى لقاء سرى على انفراد بينهم وبين اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، أيام الثورة، وهو لقاء آخر غير اللقاء المعلن الذى حضره الكثير من القوى الوطنية، هذا اللقاء الذى خصهم فيه سليمان بالتفاوض من أجل إنهاء المشاركة فى الثورة مقابل حزب وجمعية، وكنت أتمنى بدلاً من أن يثور مجلس الشورى العام عليهم فور علمه أن يقيل مكتب الإرشاد بأكمله الذى أقسم أفراده على عدم البوح بهذه المصيبة».
واتهم «أبوخليل» الجماعة بالتفاوض مع أمن الدولة عام 2005 على السماح للجماعة بالفوز بعدد من مقاعد البرلمان مقابل نسبة معقولة من التزوير. وكان أبوخليل قد تعرض قبل الاستقالة لأزمة مع الجماعة استمرت لمدة عام أوردها فى نص الاستقالة للتعامل معه بتعسف مذهل فبعد الإيقاف شهراً بتهمة التعاطى مع الإعلام وهز الثقة والنيل من القيادات، قام المكتب الإدارى بتغليظ العقوبة 3 أشهر ثم رفض رفع الإيقاف رغم مرور أكثر من عام حتى الآن. وأشار مدير مركز ضحايا فى أسباب الاستقالة إلى «تجاهل الطعن الذى تقدم به إبراهيم الزعفرانى فى نتائج انتخابات مكتب إرشاد الجماعة».
وكان الشيخ محمد سعيد عبدالبر، القيادى بالجماعة، قدم استقالة قبل استقالة أبوخليل بـ20 يوماً، بسبب «انفصال الجماعة عن النسيج الوطنى» و«انتشار الفكر الوهابى والقطبى بين القيادات ورفضها للنقد الداخلى». كما أن الجماعة تسارع لدعم العسكر وتحرص على إيقاف الحالة الثورية «واتهم الجماعة بأنها تقسو على الأفراد وتشهر فى وجوههم سيف السمع والطاعة» داعياً «لتأسيس جماعة أخرى».
واستشهد عبدالبر فى استقالته بما جرى مع الدكتور إبراهيم الزعفرانى عندما قدم مذكرة تحمل 30 تحفظا على الانتخابات الداخلية لمجلس شورى الإخوان، ولكن أحدا لم يلتفت إلى هذه التحفظات، بالإضافة إلى حالة التخبط فى التصريحات التى كان منها نفى الجماعة أن يكون هناك أى تنسيق بين الأمن والإخوان فى انتخابات 2005، وهو ما كذبه المرشد العام السابق الذى أكد أنه كان هناك تنسيق بين الجانبين. وأورد عبدالبر فى استقالته، وجود مخالفات مالية بحق قيادات الإخوان». ونشر بالفعل أن هناك انحرافات مالية فى نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة منسوبة لرئيس النادى، وهو من الإخوان، وأحيل الموضوع للدكتور فتحى لاشين للتحقيق الداخلى فيه، وكتب الدكتور تقريراً ذكر فيه ما يراه من الحق فى المسألة، وتم إخفاء هذا التقرير بل معاقبة من أعلن عن هذه الوقائع وهو فرد من الإخوان فى قطاع وسط الجيزة وأستاذ فى الاقتصاد، ورغم نشر الموضوع إعلاميا ومعرفة الرأى العام به إلا أن القيادة لم تحرك ساكنا فى الكشف عن وجه الحق فيه داخلياً ولا إعلامياً، ونشر بالفعل أن هناك إشكالاً مالياً يتعلق بملكية مدرسة بالإسكندرية ونسب لأحد أعضاء مكتب الإرشاد التورط فيه، وأنه يرفض الإقرار للجماعة بملكية المدرسة مساوما على معاش لا يستحقه له ولأفراد أسرته، ولم تحرك الجماعة ساكنا فى الرد على هذا
عبدالرحمن السندى.. المتمرد
يقول عمر التلمسانى، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، عن التنظيم الخاص للجماعة: «أنشأت الجماعة هذا النظام، عام 1936 بهدف تحرير مصر من الاستعمار البريطانى، ثم انحرف عن الطريق».
هنا، تبزغ قصة عبدالرحمن السندى، الذى أوكل له حسن البنا، قيادة التنظيم الخاص أو الجناح العسكرى للإخوان المسلمين نظراً لانتقال محمود عبدالعليم إلى دمنهور، وكانت أولى عمليات السندى، هى تفجير النادى البريطانى، الذى كان مكتظاً بضباط وجنود الجيش الإنجليزى ليلة عيد الميلاد، لكن التفجير لم يخلف أى ضحايا.
ولد عبدالرحمن السندى فى المنيا عام 1918، وتوفى عام 1962، بمؤهل متوسط واعتلال فى صمامات القلب نتيجة حمى روماتيزمية، قاد السندى النظام العسكرى فى عهد البنا، ثم تمرد على حسن الهضيبى، المرشد الثانى للإخوان المسلمين، عندما قرر الأخير إعادة النظر فى النظام الخاص، وإعفاء السندى من مهمة قيادته، وأوكل إياه إلى أحمد حسنين، لكن السندى أعلن تمرده على الهضيبى، وقام مع بعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة، وذهابه معهم إلى منزل الهضيبى وإساءتهم إليه، مما دفع هيئة مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية إلى اتخاذ قرار بفصل السندى وبعض من معه، وتعيين يوسف طلعت مكانه.
بعد عزله، قتل سيد فايز، الذى كان عضواً فى النظام الخاص، ومباركاً لفصل السندى، بعلبة حلوى مفخخة، تبعتها تصفيات جسدية لعدد من أعضاء النظام الخاص، نسبت إلى عبدالرحمن السندى ورفاقه المفصولين.
بدأ تمرد عبدالرحمن السندى، وفقا للتلمسانى، فى عهد حسن البنا، عندما قرر التنظيم الخاص تنفيذ عمليات، دون الرجوع إلى البنا، ويفسر عمر التلمسانى ذلك بقوله: «السندى عندما شعر بطاعة وولاء النظام الخاص له، تملكه غرور القوة وشعر بأنه ند لمرشد الجماعة».
ويقول عمر التلمسانى إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، نجح فى استمالة السندى بتعيينه فى شركة شل للبترول، وأثث له فيلا، واتهم السندى بأنه ساعد عبدالناصر، فى التخلص من النظام، والإبلاغ عن أعضائه.
ووصف أحمد عادل كمال، المؤرخ الإسلامى وأحد أعضاء النظام الخاص، عبدالرحمن السندى وصفاً مغايراً فى حوار له مع إسلام أون لاين، إذ قال:
«الحقيقة أنه كان رجلاً مخلصاً، وكان متشبعاً بفكرة النظام الخاص مما لا يسمح معه بكلام فى أى مجال آخر، ولا شك أنه كانت له أخطاء، منها مثلا أنه لم يرجع للإمام البنا فى قرار قتل الخازندار، لكنه كان مؤمناً إيماناً لا حدود له بفرضية الجهاد فى سبيل الله، وحبب ذلك إلى قلبه فأفرغ ذلك الإيمان فى النظام الخاص، أخلص له كل الإخلاص كان يعشقه ويغار عليه وضحى فى ذلك بكل غال، وكان يربط كل تكليف بتوقيت، وكان سؤاله التقليدى متى؟ ثم يتبع متى بلماذا؟ ومع أنه كانت له قبضة حديدية فإن قلبه كان قلب طفل، ومع أنه كان مرهقاً فى متابعته فإنه كان عاطفياً لأبعد الحدود»
أبوالفتوح.. من «السادات» لطالب الطب ومن الجماعة لطالب الرئاسة: «الزم مكانك»
متى تشكلت أسطورة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح؟ مع الرئيس الراحل أنور السادات، بجملته الشهيرة: «الزم مكانك» والتى قالها فى ذلك الوقت للطالب بكلية بطب قصر العينى، ورئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة عبدالمنعم أبوالفتوح فى المناظرة الشهيرة، التى أعادها موقع «يوتيوب» إلى الحياة، وقال فيها للسادات إن من يعملون معه منافقون.
الدكتور محمد حبيب، النائب الأسبق للمرشد العام، وصف أبوالفتوح بأنه العضو الوحيد الذى لم يقبل يد أى مرشد، وأنه كان «دينامو» الجماعة التى «حاولت ذبحه سياسيا بفصله منها، بعد مخالفته لها بقرار ترشحه للرئاسة».
كانت جماعة الإخوان المسلمين، أعلنت عقب الثورة أنها لن تدفع بمرشح رئاسى، وهو القرار الذى لم يلتزم به أبوالفتوح الذى يرى «أنه يمارس حقه السياسى وفقا للائحة تنظيم الإخوان المسلمين»، الجماعة نفسها عادت وخالفت قرارها بالدفع بخيرت الشاطر للرئاسة.
وأصدر الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة قرارا بفصل أبوالمفتوح، ووقتها رد أبوالفتوح بقوله: إنه واثق من أنه سيحصل على أصوات مكتب الإرشاد وصوت محمد بديع نفسه، والذى أكد فى حوار تليفزيونى أنه لن يصوت لأبوالفتوح.
بدأت علاقة عبدالمنعم أبوالمفتوح بالإخوان وهو طالب، وفقا لمذكراته التى حررها الباحث الراحل فى الشؤون الإسلامية: حسام تمام، ونشرت تحت عنوان: عبدالمنعم أبوالفتوح شاهد على الحركة الإسلامية فى مصر. كان الإخوان قد تابعوا بإعجاب نشاطه الملحوظ فى الدعوة، وتحويله اتحاد طلاب قصر العينى مع عصام العريان وحلمى الجزار إلى ما سماه أبوالفتوح «معقل الحركات الإسلامية فى الجامعة»، فى الفترة التى شهدت قيادات طلابية لمختلف التيارات اليسارية والناصرية مثل أحمد عبدالله رزة وعايدة سيف الدولة، وحمدين صباحى، وهى الفترة التى وصفها أبوالفتوح «بالحرب فى ملعب مفتوح للجميع»، وتميزت بالعداء الفكرى بين «الحركة الإسلامية» من جهة وباقى التيارات من جهة أخرى.
وكان أول لقاء مباشر لأبوالفتوح الذى تأثر بالشيخ محمد الغزالى ويوسف القرضاوى- بعضو من الإخوان عام 1974، وهو كمال السنانيرى الذى أرسل له من يطلبه فى لقاء، حرص السنانيرى على أن يكون سريا، فى محل أحذية يملكه عضو من الإخوان، حيث كان يخشى أن يحدث أى ربط بين الجماعة «الخصم التاريخى للنظام»، و«الحركات الإسلامية الجديدة». كان اللقاء عاطفيا كما وصفه أبوالفتوح فالرجل الذى قضى نصف حياته سجينا بسبب انتمائه للإخوان، مازال يملك الشغف ذاته ليحدثه عن «قضية الإسلام والدعوة إلى الله».
كان حضور السنانيرى فى وعى الطالب أبوالفتوح «كحضور هؤلاء الذين نقرأ عنهم فى السيرة النبوية، وعذبوا وأوذوا، وصبروا على البلاء فى سبيل تبليغ دعوة الله»، ثم تعددت لقاءاته بعد ذلك، بالقيادات التاريخية للإخوان»، وكان لعبارة عمر التلمسانى المرشد العام للإخوان فى ذلك الوقت «لا تأخذوا كلامى مسلما به. لكن اقتنعوا به أولا» تأثير على عقل الشاب، الذى نشأ على عبارة الطاعة للأمير.
بدأ أبوالفتوح ورفاقه فى دعوة قيادة الإخوان لعقد محاضرات وندوات فى الجامعة، مستغلين حضورهم الكبير بين الطلاب فى ذلك الوقت، وأثرت تلك اللقاءات على قرار انضمامه للجماعة كما قال فى مذكراته، وهو القرار الذى بدأ أولا بالتواصل والتعاون ثم الانضمام سرا بناء على اتفاق مسبق مع الاخوان. وكانت السرية «لأن السادات الذى سمح لهم بالعمل بحرية داخل الجامعات، كان سيبطش بهم لو علم أن هذا الكيان الضخم الهائل من شباب الحركات الإسلامية أصبح تحت قيادة الإخوان».
بعد توقيع السادات معاهدة السلام فى عام 1979 انقضى شهر العسل بينهم وبين الحركة، فبدأوا فى شطب أعضاء الحركات الإسلامية من الترشح لاتحاد الطلبة، ثم صدر القرار الجمهورى رقم 265 لسنة 1979 بتجميد اللائحة الجديدة للاتحادات الطلابية المنتخبة وإغلاق مقارها وحظر اجتماعاتها.
قبض على عبدالمنعم أبوالفتوح ضمن اعتقالات سبتمبر، وساهم بعد خروجه عام 1982 مع عدد من شباب الإخوان فى إعادة البناء الداخلى للجماعة، وهى المجموعة التى أطلق عليها «مكتب مصر» تمييزا لها عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر، وهى المجموعة التى بلورت التنظيم ليظهر بشكله الضخم والمستقر إداريا فى عام 1987.
أحمد السكرى.. طريد جنة «الإخوان»
لكل تاريخ روايتان، رواية الآخرين، ورواية الإخوان، وهو الأمر الذى ينطبق بشدة على أحمد السكرى، الشخص الأكثر إثارة للجدل فى تاريخ الجماعة، والذى وصل إلى منصب وكيل إمام الإخوان المسلمين، حسن البنا، قبل أن تصدر الجماعة قراراً بخروجه منها، ليؤسس جمعية «الإخوان المجاهدون الأحرار»، ويتخذ لها مقراً فى ميدان الخديو إسماعيل، غير أنها كشأن التجارب المنشقة على الإخوان، لم تدم كثيراً، فانضم بعدها إلى جماعة مصر الفتاة بعد «يأسه من تأييد حزب الوفد»، وقدمه وقتها رئيس الحزب أحمد حسين، على أن يكون وكيلاً له، فزاد -وفقا لرواية الإخوان- من توتر العلاقة بين الإخوان المسلمين ومصر الفتاة.
تعرف «السكرى» على حسن البنا فى جمعية الإخوان الحصافية، وأسسا سويًا جمعية «الحصافية الخيرية» برئاسته، وكان البنا سكرتيرا لها بهدف «محاربة المنكرات والتصدى للتبشير» وبعد تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية عام 1928، أنشأ شعبة للإخوان بالمحمودية، وصار نائبا لها عام 1929، وشارك فى أول اجتماع لمجلس شورى الإخوان فى 15 يونيو 1933، ثم اختير عضواً منتدباً فى مكتب الإرشاد، وبعد أن انتقل الإخوان للقاهرة اختير وكيلاً لـ«البنا»، كما ترأس الإدارة السياسية لمجلة الإخوان المسلمين، قبل أن يفصل عام 1947 لمخالفته «منهج الجماعة».
ووفقاً لرواية الإخوان، فى الموسوعة الرسمية لتاريخ الإخوان المسلمين، فإن أسباب فصل السكرى بدأت بشن السكرى هجوماً على البنا فى مقالات فى جريدتى صوت الأمة والكتلة، ذكر فيها أن البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية، وهى اتهامات لم يستطع السكرى، وفقاً لراوية الإخوان، أن يقدم سنداً بصحتها.
واتهم السكرى، البنا، بالاستبداد فى اتخاذ القرار، فقررت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين توجيه اللوم إليه واتخذت القرارات الآتية: «إعفاء كل من الأستاذ محمد عبدالسميع الغنيمى أفندى والأستاذ سالم غيث أفندى والأستاذ أحمد السكرى أفندى من عضوية الجماعة، لما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ أحمد السكرى، واعتباره مُناقضاً للعهد حانثًا باليمين خارجاً على الجماعة مُحاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره».
وتسهب أدبيات فى وصف السمات الشخصية «السيئة» للسكرى والتى اعتبروها «ليست تجريحاً فى شخصه» ولكنها «مواقف تضىء لهم تفسير حادث خروج السكرى عن الجماعة»: فهو «محب للظهور والزعامة»، وكان «يتجسس على مخاطبات البنا الشخصية، وسرب وثائق الإخوان السرية إلى فؤاد سراج الدين لينشرها فى حزب الوفد، فضلاً عن أنه استغل الدعوة لأغراض شخصية».
ونشر السكرى 24 مقالاً فى «صوت الأمة» تحت عنوان «كيف انزلق البنا بدعوة الإخوان؟» وهى المقالات التى رصدها الباحث عبدالرحيم على، الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية، فى كتابه «الإخوان المسلمون.. قراءة فى الملفات السرية»
محمد حبيب.. التشكيك فى انتخابات «بديع».. ثم الاستقالة
فى 26 يناير 2010، أى قبل عام من اندلاع الثورة، فاز الدكتور محمد بديع بمنصب المرشد العام للإخوان المسلمين، فى أول انتخابات علنية على هذا المنصب، ودلل الإخوان بانتخاب المرشد العام، على ديمقراطية وشفافية الجماعة، لكن صوت الدكتور محمد حبيب، نائب مهدى عاكف، المرشد الأسبق، كان يسير عكس التيار، فلم يحضر حفل تنصيب ومبايعة بديع، الذى عرف بانتمائه المتشدد لمدرسة سيد قطب (القطبين).
وشكك حبيب الذى فقد مقعده للمرة الأولى منذ سنوات كعضو فى مكتب الإرشاد مع عبدالمنعم أبو الفتوح (التيار المعتدل والنافذ فى الجامعة) فى نتائج الانتخابات، قائلا: «إنها تمت بالاختيار لا بالانتخاب». ثم استقال من منصبه كنائب أول لمرشد الجماعة، واحتفظ بعضويته فى مجلس شورى الجماعة.
وعقب ثورة 25 يناير، عاد للاختلاف مع مرشد الجماعة، بعد استقالة كل من عصام العريان وسعد الكتاتنى ومحمد مرسى من عضوية مكتب الإرشاد لتأسيس حزب الحرية والعدالة، ويرى حبيب أنه وفقاً للائحة ومع خلو مناصب المستقيلين الثلاثة كان عليهم تصعيده إلى مكتب الإرشاد دون انتخاب، لحصوله على 40% من الأصوات فى انتخابات 2009، التى طالب فيها حبيب بلجنة تقصى حقائق لا تتبع مكتب الإرشاد أو منصب شورى الجماعة، للتحقيق فى نتائج الانتخابات التى جاءت بـ«بديع» فى منصب المرشد العام
أبوالعلا ماضى.. رحلة البحث عن رخصة
عندما تقدم أبوالعلا ماضى، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وقتها بأوراق حزبه فى 6 يناير 1996 إلى لجنة شؤون الأحزاب، التى رفضها الموظف المسؤول، وأجلها إلى 10 يناير، لم يكن يعلم أنه سيحتاج إلى 15 عاماً وثورة لإسقاط النظام ليتمكن من إنشاء حزب الوسط، الذى كان من المفترض أن يكون حزباً لتمثيل الإخوان المسلمين.
ينتمى أبوالعلا ماضى لجيل قيادات الحركة الطلابية فى السبعينيات، وهو ما يمكن اعتباره أيضاً الجيل الذى جدد شباب حركة الإخوان المسلمين، مستفيداً من الحرية التى منحها لهم السادات فى استقطاب الكوادر الإسلامية، مقابل الوقوف أمام تيار اليسار، كما حمل هذا الجيل ومن بينهم د.عبدالمنعم أبوالفتوح، عدداً من الأفكار التى يمكن اعتبارها تياراً إصلاحياً داخل الجماعة.
فكرة الحزب ظلت مطاردة ومرفوضة من أمن الدولة والجماعة، ودفع أبوالعلا ماضى ثمنها اعتقالاً من قبل قوات الأمن، وتقديم استقالته من جماعة الإخوان المسلمين، التى رأت فى الحزب كما يقول الباحث عبدالرحيم على فى مقاله المنشور بـ«المصرى اليوم» فى 2007: «سحب صك الاعتدال من الجماعة، وهو الصك الذى ظل مملوكاً لها لعقود طويلة فى مواجهة جميع الحركات الإسلامية الأخرى».
ووفقاً لأبوالعلا ماضى، الذى روى قصة تأسيس الحزب فى حوار نشرته جريدة «الشروق» فى 1 مارس 2011، أن بداية الضغط لتأسيس حزب بدأت عام 1989، عندما عرض أمر تأسيس حزب فى مجلس شورى الجماعة، الذى كان عضواً فيه فى ذلك الوقت، وشكلت لجنة ضمته مع د.عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان، وسمى فى البداية حزب الإصلاح، سبقت تلك الفكرة فكرة أخرى فى عهد المرشد العام عمر التلمسانى لتأسيس حزب «الشورى» لتمثيل الجماعة بشكل قانونى، حيث كلف التلمسانى، وقتها عدداً من القضاة والقانونين السابقين الذين لم يكونوا بالضرورة منتمين إلى الجماعة لعمل مشروع الحزب.
وفى 1990 اعتبر مشروع «الشورى» أساساً لبرنامج الحزب، وتم اختيار عبدالمنعم أبوالفتوح وكيلاً لمؤسسيه، لكن تعليق الشيخ عبدالله الخطيب، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، جاء صادماً، معتبراً أن برنامج الحزب «شديد العلمانية»، ولابد«من وضع الإسلام فيه».
تم إجهاض محاولات شباب الجماعة إنشاء حزب «الإصلاح» أكثر من مرة، وفكر «ماضى» عام 1995 فى تقديم استقالته لولا«إقناع أبوالفتوح له»، وحملة الاعتقالات التى طالت الجماعة.
ثم كانت لحظة الحسم، عندما اجتمعت فى منزله مجموعة من شباب الجماعة، متخذين قراراً بإنشاء الحزب سواء قبلت الجماعة أو رفضت.
بعد أن تقدم «ماضى» بأوراق الحزب، حاولت الجماعة عن طريق توسيط شخصيات كيوسف القرضاوى أن يتراجع «ماضى» عن فكرة الحزب، وأن يقوم بسحب الأوراق، وهو ما قوبل منه بالرفض، وقامت «أمن الدولة» باعتقاله واثنين من مؤسسى الحزب: عصام حشيش ومجدى فاروق، كما قاموا بالقبض على مهدى عاكف، ومصطفى الغنيمى، من غير المؤسسين، بتهمة التحايل على الشرعية وتأسيس حزب سياسى، وأحيلوا إلى المحاكمة العسكرية بعد تغيير التوصيف إلى «محاولة تكوين تنظيم غير مشروع»، وحصل الثلاثة المؤسسون على البراءة فيما، حكم على 7 آخرين. كانت الفكرة مربكة للجماعة، وأمن الدولة وقتها، وهو الأمر الذى وصفه عصام سلطان نائب رئيس الحزب: «لم يكن الوسط بالمعنى السابق تمرداً على جماعة الإخوان فقط، لكنه أيضاً كان تمرداً على قواعد اللعبة السياسية والأمنية، فحار بشأنه النظام الحاكم والأجهزة الأمنية.
وطلب المستشار مأمون الهضيبى، مرشد جماعة الإخوان المسلمين، فى ذلك الوقت من أعضاء الجماعة الاستقالة من الحزب، وتقدم بالفعل 46 عضواً بالاستقالة، كما ضغطت أمن الدولة على عدد من المؤسسين المسيحيين لسحب توكيلاتهم.
فى 1998 عاد أبوالعلا ماضى لتقديم أوراق الحزب إلى محكمة الأحزاب، ثم قدموا الأوراق مرة أخرى بعد يومين من رفضهم فى مايو ١٩٩٨ إلى لجنة شؤون الأحزاب باسم «حزب الوسط المصرى»، وتم رفضهم وهو ما أعقبه رفض آخر من محكمة الأحزاب عام ١٩٩٩.
وفى 2004، تقدم حزب الوسط مرة أخرى بأوراقه، لتظل 3 سنوات كاملة، لترفضه المحكمة بعد أن تغير قانون الأحزاب ليطلب ضم 1000 مؤسس بدلاً من 50 مؤسساً.
وبعد 15 عاماً فى 19 فبراير 2011 قضت دائرة شؤون الأحزاب بالسماح بإنشاء الحزب.. فيما استمرت حرب التصريحات بين الإخوان المسلمين وحزب الوسط ولم تهدأ حتى الآن
المصدر : المصرى اليوم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق