الخميس، 19 مايو 2011

بالأسماء‮.. ‬الذين أكلوا الحرام من تعويم الجنيه

المصدر : الوفد



الأربعاء‮ ‬29‮ ‬يناير‮ ‬2003‭.‬‮. ‬يوم لن‮ ‬ينساه المصريون‮.. ‬يوم سيظل واقفاً‮ ‬علي‮ ‬مدخل قصبتهم الهوائية مستعصياً‮ ‬علي‮ ‬البلغ‮ ‬حتي‮ ‬لو شربوا مياه كل أنهار الدنيا،‮ ‬وسيبقي‮ ‬مقاوماً‮ ‬للنسيان‮.‬

ففي‮ ‬هذا اليوم وقعت ثغرة اقتصادية أشبه بثغرة الدفرسوار في‮ ‬حرب أكتوبر‮.. ‬وإذا كانت ثغرة أكتوبر قد هزت انتصاراً‮ ‬عسكرياً‮ ‬رائعاً‮ ‬حققه الجيش المصري‮ ‬عام‮ ‬1973‮ ‬وتسببت في‮ ‬سقوط ضحايا كثيرين،‮ ‬فإن ثغرة‮ ‬يوم‮ ‬29‮ ‬يناير‮ ‬2003‮ ‬هزت اقتصاد مصر كله وأسقطت ضحايا بالملايين والأخطر أنها فتحت خزائن المال العام لمجموعة من الأشخاص فربحوا في‮ ‬لحظة

ما‮ ‬يعجز عن الحصول عليه مئات الأشخاص طوال عمرهم كله‮.. ‬والسبب هو قرار تعويم الجنيه الصادر في‮ ‬29‮ ‬يناير‮ ‬2003‭.‬

ورغم مرور أكثر من‮ ‬8‮ ‬سنوات علي‮ ‬هذه الواقعة إلا أن مصر بكامل أجهزتها الرقابية والحكومية والأمنية والرسمية ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬كله‮.. ‬الكل لم‮ ‬يتصدي‮ ‬للكشف عن ألغاز الواقعة التي‮ ‬سقطت علي‮ ‬رؤوس المصريين فألهبت الأسعار وخفضت الدخول وأصابت أغلب المؤشرات الاقتصادية بالتدهور والهزال والذبول‮.‬

ولغز ألغاز‮ ‬يوم تعويم الجنيه هو أن بعض كبار القوم‮ - ‬آنذاك‮ - ‬علموا بالقرار قبل صدوره ففعلوا الأفاعيل‮.‬

بعضهم كان لديه مبالغ‮ ‬ضخمة من الدولارات فجمدها منتظراً‮ ‬صدور قرار التعويم وآخرون أسرعوا باقتراض ملايين الدولارات من البنوك،‮ ‬وانتظروا قرار التعويم،‮ ‬ولما صدر قفز سعر الدولار في‮ ‬لحظة من‮ ‬370‮ ‬قرشاً‮ ‬إلي‮ ‬535‮ ‬قرشاً‮ ‬فحقق‮ »‬المجمدون‮« ‬و»المقترضون‮« ‬ملايين الجنيهات في‮ ‬لمح البصر دون مجهود أو مخاطرة أو عمل أو إنتاج‮.‬

والسؤال الذي‮ ‬لم‮ ‬يجب عنه أحد حتي‮ ‬الآن هو‮: ‬من هم هؤلاء‮ »‬المجمدون‮« ‬و»المقترضون‮«‬،‮ ‬بمعني‮ ‬من الذين علموا بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره فتربحوا منه؟

إجابة السؤال تعيدنا إلي أجواء صدور قرار التعويم اللغز‮.. ‬ووقتها كان سوق الصرف‮ ‬يعاني‮ ‬خللاً‮ ‬من العرض والطلب وكان البحث عن الدولار‮ ‬يتزايد‮ ‬يوماً‮ ‬بعد آخر بسبب اقتراب موسم الحج‮.‬

وحسب مصادر قريبة من مسرح الأحداث وقت صدور قرار التعويم،‮ ‬فإن رئيس وزراء مصر آنذاك‮ - ‬د‮. ‬عاطف عبيد‮ - ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬يعرف أن قراراً‮ ‬سيصدر بتعويم الجنيه حتي‮ ‬مساء‮ ‬يوم الثلاثاء‮ ‬28‮ ‬يناير‮ ‬2003‭.‬‮. ‬وقالت المصادر التي‮ ‬طلبت عدم ذكر اسمها إن جمال مبارك هو الذي‮ ‬أبلغ‮ ‬رئيس الوزراء بالقرار‮. ‬وقال له‮: ‬يا‮ »‬عاطف‮« ‬إحنا قررنا تعويم الجنيه‮.‬

وأكدت المصادر أن‮ »‬عبيد‮« ‬فوجئ بالقرار وحاول أن‮ ‬يعلق علي‮ ‬ما قاله جمال مبارك وقال له‮ »‬بس حضرتك والقرار عايز دراسة‮«‬،‮ ‬ولكن جمال رد بلهجة حازمة قائلاً‮: ‬يا‮ »‬عاطف‮« ‬الحزب درس الموضوع بدقة‮ - ‬إحنا بندرسه من شهور‮ - ‬ومجهزين خطة كاملة لمواجهة أي‮ ‬آثار جانبية والدراسات اللي‮ ‬عملناها أكدت أن الآثار دي‮ ‬هتكون وقتية وهتتلاشي‮ ‬بعد فترة بسيطة وبعدها هنرتاح من مشاكل كتير‮«.‬

وأضافت المصادر أن رئيس الوزراء استجاب تماماً‮ ‬لكلام جمال مبارك فطلب منه الأخير إعلان قرار تعويم الجنيه في‮ ‬مؤتمر الإيكونوميست‮. ‬وقال‮: ‬قرار زي‮ ‬ده حساس ولازم‮ ‬يُعلن بسرعة وأنسب وقت إنك تعلنه في‮ ‬مؤتمر اليورمني‮ ‬الذي‮ ‬ترعاه مجلة الإيكونوميست بكره ورد عبيد‮ »‬حاضر‮ ‬يا أستاذ جمال‮«.‬

وبالفعل أعلن رئيس الوزراء القرار في‮ ‬جلسة مغلقة لم‮ ‬يحضرها الصحفيون وقال‮: »‬اعتبارا من‮ ‬غد الأربعاء ستكون هناك سوق حرة لصرف العملات الأجنبية‮« ‬وساعتها عرف المصريون،‮ ‬ولأول مرة أن الجنيه المصري‮ ‬سيبدأ مرحلة التعويم‮.‬

نعود إلي‮ ‬السؤال‮: ‬من الذي‮ ‬علم بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره؟‮.. ‬علي‮ ‬وجه اليقين هناك‮ ‬6‮ ‬أشخاص علموا بالقرار قبل إعلانه بفترة ليست قصيرة أولهم بالطبع‮ »‬جمال مبارك‮« ‬الذي‮ ‬يعد الأب الروحي‮ ‬لقرار التعويم،‮ ‬ومعه شقيقه‮ »‬علاء‮« ‬والمجموعة الاقتصادية بالحزب الوطني‮ ‬وكانت تضم د‮. ‬يوسف بطرس‮ ‬غالي‮ ‬ومحمود محيي‮ ‬الدين وأحمد عز ووزير المالية آنذاك مدحت حسانين‮.‬

وحسب تأكيدات الخبير الاقتصادي‮ ‬د‮. ‬عبدالخالق فاروق فإن كل واحد من هؤلاء الستة له شلته وأصدقاؤه المقربون جداً‮ ‬وعددهم لا‮ ‬يقل عن‮ ‬30‮ ‬شخصاً،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬أصدقاء عاديين لا‮ ‬يقل عددهم عن‮ ‬200‮ ‬شخص،‮ ‬ويقول عبدالخالق فاروق‮ »‬من المؤكد أن كل هؤلاء علموا بالقرار أو علي‮ ‬الأقل الأصدقاء المقربين أي‮ ‬الثلاثين شخصاً‮ ‬المقربين جداً‮ ‬من الأشخاص الستة الذين عرفوا بالقرار قبل صدوره‮«.‬

ويضيف د‮. ‬عبدالخالق فاروق‮ »‬لدي‮ ‬معلومات موثقة بأن قائمة الذين علموا بالقرار قبل صدوره‮ ‬يتصدرها رجال الأعمال محمد أبو العينين،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬ياسر الملواني‮ ‬العضو المنتدب لشركة هيرمس للأوراق المالية وطارق عامر نائب رئيس بنك مصر وأحمد البردعي‮ ‬رئيس بنك القاهرة السابق‮.‬

وحسب مصادر مصرفية فإن أكثر من استفادوا من ارتفاع سعر الدولار هم من كانوا‮ ‬يمتلكون مبالغ‮ ‬ضخمة بالدولار بحكم عملهم في‮ ‬الاستيراد والتصدير وعلي‮ ‬رأسهم‮ ‬ياسين منصور شقيق وزير النقل السابق محمد منصور،‮ ‬وجلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات وأحمد الوكيل أحد كبار مصدري‮ ‬الأرز،‮ ‬وخالد أبو إسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية‮ - ‬آنذاك‮.‬

ويؤكد الخبير الاقتصادي‮ ‬د‮. ‬عبدالخالق فاروق أن أكثر من ‮٠٣ ‬شخصاً‮ ‬حصلوا علي‮ ‬قروض من البنوك قبيل فترة قصيرة من صدور قرار تعويم الجنيه واحتفظوا بهذه الدولارات حتي‮ ‬قفز سعرها بمقدار ‮٠٤‬٪‮ ‬في‮ ‬لحظة فحققوا من وراء ذلك ثروات ضخمة‮.‬

وطبقاً‮ ‬لبيانات البنك المركزي‮ ‬فإن قيمة القروض بالعملة الأجنبية خلال العام الذي‮ ‬تم فيه تعويم الجنيه‮ (٢٠٠٢/ ٣٠٠٢) ‬زادت بمقدار ‮٥.٤ ‬مليار دولار مقارنة بالعام السابق‮ (١٠٠٢/ ٢٠٠٢) ‬فزادت القروض الأجنبية الممنوحة للقطاع الخاص العامل بقطاع الصناعة بما قيمته ‮٥.٩١ ‬مليار جنيه عام ‮١٠٠٢/ ٢٠٠٢ ‬ليصل إلي‮ ٤.٥٢ ‬مليار جنيه عام ‮٢٠٠٢ / ٣٠٠٢ ‬كما ارتفعت القروض الممنوحة لرجال التجارة من ‮٢.٩ ‬مليار جنيه إلي‮ ٦.١١ ‬مليار جنيه ولرجال الأعمال العاملين بقطاع الخدمات من ‮٥.٦١ ‬مليار جنيه إلي‮ ٥.١٢ ‬مليار جنيه بينما ارتفعت القروض العائلية من ‮٧.٢ ‬مليار جنيه إلي‮ ٩.٢ ‬مليار جنيه‮.‬

وهكذا زادت القروض التي‮ ‬منحتها البنوك بالعملة الأجنبية بمقدار ‮٦١ ‬ملياراً‮ ‬و‮٠٠٢ ‬مليون جنيه وهو ما‮ ‬يعادل ‮٥.٤ ‬مليار دولار،‮ ‬وهذه المليارات حققت لمن حصل عليها أرباحاً‮ ‬تعادل ‮٥.٧ ‬مليار جنيه بسبب زيادة سعر الدولار من ‮٠٧٣ ‬قرشاً‮ ‬في‮ ‬مساء‮ ‬يوم الثلاثاء ‮٨٢ ‬يناير ‮٣٠٠٢ ‬إلي‮ ٥٣٥ ‬قرشاً‮ ‬يوم الخميس ‮٠٣ ‬يناير ‮٣٠٠٢ ‬أي‮ ‬بعد ‮٤٢ ‬ساعة فقط من تعويم الجنيه‮.‬

والسؤال‮.. ‬لماذا التزم الجهاز المركزي‮ ‬للمحاسبات وجميع الأجهزة الرقابية الصمت حيال هذه الواقعة الخطيرة؟‮.. ‬لماذا صمت كل هؤلاء؟‮.. ‬ولماذا‮ ‬يصر البنك المركزي‮ ‬علي‮ ‬إخفاء الوثائق التي‮ ‬تكشف كل أسماء من تربحوا من قرار تعويم الجنيه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق