المصدر : الوفد
الأربعاء 29 يناير 2003.. يوم لن ينساه المصريون.. يوم سيظل واقفاً علي مدخل قصبتهم الهوائية مستعصياً علي البلغ حتي لو شربوا مياه كل أنهار الدنيا، وسيبقي مقاوماً للنسيان.
ففي هذا اليوم وقعت ثغرة اقتصادية أشبه بثغرة الدفرسوار في حرب أكتوبر.. وإذا كانت ثغرة أكتوبر قد هزت انتصاراً عسكرياً رائعاً حققه الجيش المصري عام 1973 وتسببت في سقوط ضحايا كثيرين، فإن ثغرة يوم 29 يناير 2003 هزت اقتصاد مصر كله وأسقطت ضحايا بالملايين والأخطر أنها فتحت خزائن المال العام لمجموعة من الأشخاص فربحوا في لحظة
ما يعجز عن الحصول عليه مئات الأشخاص طوال عمرهم كله.. والسبب هو قرار تعويم الجنيه الصادر في 29 يناير 2003.
ورغم مرور أكثر من 8 سنوات علي هذه الواقعة إلا أن مصر بكامل أجهزتها الرقابية والحكومية والأمنية والرسمية ومؤسسات المجتمع المدني كله.. الكل لم يتصدي للكشف عن ألغاز الواقعة التي سقطت علي رؤوس المصريين فألهبت الأسعار وخفضت الدخول وأصابت أغلب المؤشرات الاقتصادية بالتدهور والهزال والذبول.
ولغز ألغاز يوم تعويم الجنيه هو أن بعض كبار القوم - آنذاك - علموا بالقرار قبل صدوره ففعلوا الأفاعيل.
بعضهم كان لديه مبالغ ضخمة من الدولارات فجمدها منتظراً صدور قرار التعويم وآخرون أسرعوا باقتراض ملايين الدولارات من البنوك، وانتظروا قرار التعويم، ولما صدر قفز سعر الدولار في لحظة من 370 قرشاً إلي 535 قرشاً فحقق »المجمدون« و»المقترضون« ملايين الجنيهات في لمح البصر دون مجهود أو مخاطرة أو عمل أو إنتاج.
والسؤال الذي لم يجب عنه أحد حتي الآن هو: من هم هؤلاء »المجمدون« و»المقترضون«، بمعني من الذين علموا بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره فتربحوا منه؟
إجابة السؤال تعيدنا إلي أجواء صدور قرار التعويم اللغز.. ووقتها كان سوق الصرف يعاني خللاً من العرض والطلب وكان البحث عن الدولار يتزايد يوماً بعد آخر بسبب اقتراب موسم الحج.
وحسب مصادر قريبة من مسرح الأحداث وقت صدور قرار التعويم، فإن رئيس وزراء مصر آنذاك - د. عاطف عبيد - لم يكن يعرف أن قراراً سيصدر بتعويم الجنيه حتي مساء يوم الثلاثاء 28 يناير 2003.. وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها إن جمال مبارك هو الذي أبلغ رئيس الوزراء بالقرار. وقال له: يا »عاطف« إحنا قررنا تعويم الجنيه.
وأكدت المصادر أن »عبيد« فوجئ بالقرار وحاول أن يعلق علي ما قاله جمال مبارك وقال له »بس حضرتك والقرار عايز دراسة«، ولكن جمال رد بلهجة حازمة قائلاً: يا »عاطف« الحزب درس الموضوع بدقة - إحنا بندرسه من شهور - ومجهزين خطة كاملة لمواجهة أي آثار جانبية والدراسات اللي عملناها أكدت أن الآثار دي هتكون وقتية وهتتلاشي بعد فترة بسيطة وبعدها هنرتاح من مشاكل كتير«.
وأضافت المصادر أن رئيس الوزراء استجاب تماماً لكلام جمال مبارك فطلب منه الأخير إعلان قرار تعويم الجنيه في مؤتمر الإيكونوميست. وقال: قرار زي ده حساس ولازم يُعلن بسرعة وأنسب وقت إنك تعلنه في مؤتمر اليورمني الذي ترعاه مجلة الإيكونوميست بكره ورد عبيد »حاضر يا أستاذ جمال«.
وبالفعل أعلن رئيس الوزراء القرار في جلسة مغلقة لم يحضرها الصحفيون وقال: »اعتبارا من غد الأربعاء ستكون هناك سوق حرة لصرف العملات الأجنبية« وساعتها عرف المصريون، ولأول مرة أن الجنيه المصري سيبدأ مرحلة التعويم.
نعود إلي السؤال: من الذي علم بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره؟.. علي وجه اليقين هناك 6 أشخاص علموا بالقرار قبل إعلانه بفترة ليست قصيرة أولهم بالطبع »جمال مبارك« الذي يعد الأب الروحي لقرار التعويم، ومعه شقيقه »علاء« والمجموعة الاقتصادية بالحزب الوطني وكانت تضم د. يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين وأحمد عز ووزير المالية آنذاك مدحت حسانين.
وحسب تأكيدات الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق فإن كل واحد من هؤلاء الستة له شلته وأصدقاؤه المقربون جداً وعددهم لا يقل عن 30 شخصاً، بالإضافة إلي أصدقاء عاديين لا يقل عددهم عن 200 شخص، ويقول عبدالخالق فاروق »من المؤكد أن كل هؤلاء علموا بالقرار أو علي الأقل الأصدقاء المقربين أي الثلاثين شخصاً المقربين جداً من الأشخاص الستة الذين عرفوا بالقرار قبل صدوره«.
ويضيف د. عبدالخالق فاروق »لدي معلومات موثقة بأن قائمة الذين علموا بالقرار قبل صدوره يتصدرها رجال الأعمال محمد أبو العينين، بالإضافة إلي ياسر الملواني العضو المنتدب لشركة هيرمس للأوراق المالية وطارق عامر نائب رئيس بنك مصر وأحمد البردعي رئيس بنك القاهرة السابق.
وحسب مصادر مصرفية فإن أكثر من استفادوا من ارتفاع سعر الدولار هم من كانوا يمتلكون مبالغ ضخمة بالدولار بحكم عملهم في الاستيراد والتصدير وعلي رأسهم ياسين منصور شقيق وزير النقل السابق محمد منصور، وجلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات وأحمد الوكيل أحد كبار مصدري الأرز، وخالد أبو إسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية - آنذاك.
ويؤكد الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق أن أكثر من ٠٣ شخصاً حصلوا علي قروض من البنوك قبيل فترة قصيرة من صدور قرار تعويم الجنيه واحتفظوا بهذه الدولارات حتي قفز سعرها بمقدار ٠٤٪ في لحظة فحققوا من وراء ذلك ثروات ضخمة.
وطبقاً لبيانات البنك المركزي فإن قيمة القروض بالعملة الأجنبية خلال العام الذي تم فيه تعويم الجنيه (٢٠٠٢/ ٣٠٠٢) زادت بمقدار ٥.٤ مليار دولار مقارنة بالعام السابق (١٠٠٢/ ٢٠٠٢) فزادت القروض الأجنبية الممنوحة للقطاع الخاص العامل بقطاع الصناعة بما قيمته ٥.٩١ مليار جنيه عام ١٠٠٢/ ٢٠٠٢ ليصل إلي ٤.٥٢ مليار جنيه عام ٢٠٠٢ / ٣٠٠٢ كما ارتفعت القروض الممنوحة لرجال التجارة من ٢.٩ مليار جنيه إلي ٦.١١ مليار جنيه ولرجال الأعمال العاملين بقطاع الخدمات من ٥.٦١ مليار جنيه إلي ٥.١٢ مليار جنيه بينما ارتفعت القروض العائلية من ٧.٢ مليار جنيه إلي ٩.٢ مليار جنيه.
وهكذا زادت القروض التي منحتها البنوك بالعملة الأجنبية بمقدار ٦١ ملياراً و٠٠٢ مليون جنيه وهو ما يعادل ٥.٤ مليار دولار، وهذه المليارات حققت لمن حصل عليها أرباحاً تعادل ٥.٧ مليار جنيه بسبب زيادة سعر الدولار من ٠٧٣ قرشاً في مساء يوم الثلاثاء ٨٢ يناير ٣٠٠٢ إلي ٥٣٥ قرشاً يوم الخميس ٠٣ يناير ٣٠٠٢ أي بعد ٤٢ ساعة فقط من تعويم الجنيه.
والسؤال.. لماذا التزم الجهاز المركزي للمحاسبات وجميع الأجهزة الرقابية الصمت حيال هذه الواقعة الخطيرة؟.. لماذا صمت كل هؤلاء؟.. ولماذا يصر البنك المركزي علي إخفاء الوثائق التي تكشف كل أسماء من تربحوا من قرار تعويم الجنيه؟
الأربعاء 29 يناير 2003.. يوم لن ينساه المصريون.. يوم سيظل واقفاً علي مدخل قصبتهم الهوائية مستعصياً علي البلغ حتي لو شربوا مياه كل أنهار الدنيا، وسيبقي مقاوماً للنسيان.
ففي هذا اليوم وقعت ثغرة اقتصادية أشبه بثغرة الدفرسوار في حرب أكتوبر.. وإذا كانت ثغرة أكتوبر قد هزت انتصاراً عسكرياً رائعاً حققه الجيش المصري عام 1973 وتسببت في سقوط ضحايا كثيرين، فإن ثغرة يوم 29 يناير 2003 هزت اقتصاد مصر كله وأسقطت ضحايا بالملايين والأخطر أنها فتحت خزائن المال العام لمجموعة من الأشخاص فربحوا في لحظة
ما يعجز عن الحصول عليه مئات الأشخاص طوال عمرهم كله.. والسبب هو قرار تعويم الجنيه الصادر في 29 يناير 2003.
ورغم مرور أكثر من 8 سنوات علي هذه الواقعة إلا أن مصر بكامل أجهزتها الرقابية والحكومية والأمنية والرسمية ومؤسسات المجتمع المدني كله.. الكل لم يتصدي للكشف عن ألغاز الواقعة التي سقطت علي رؤوس المصريين فألهبت الأسعار وخفضت الدخول وأصابت أغلب المؤشرات الاقتصادية بالتدهور والهزال والذبول.
ولغز ألغاز يوم تعويم الجنيه هو أن بعض كبار القوم - آنذاك - علموا بالقرار قبل صدوره ففعلوا الأفاعيل.
بعضهم كان لديه مبالغ ضخمة من الدولارات فجمدها منتظراً صدور قرار التعويم وآخرون أسرعوا باقتراض ملايين الدولارات من البنوك، وانتظروا قرار التعويم، ولما صدر قفز سعر الدولار في لحظة من 370 قرشاً إلي 535 قرشاً فحقق »المجمدون« و»المقترضون« ملايين الجنيهات في لمح البصر دون مجهود أو مخاطرة أو عمل أو إنتاج.
والسؤال الذي لم يجب عنه أحد حتي الآن هو: من هم هؤلاء »المجمدون« و»المقترضون«، بمعني من الذين علموا بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره فتربحوا منه؟
إجابة السؤال تعيدنا إلي أجواء صدور قرار التعويم اللغز.. ووقتها كان سوق الصرف يعاني خللاً من العرض والطلب وكان البحث عن الدولار يتزايد يوماً بعد آخر بسبب اقتراب موسم الحج.
وحسب مصادر قريبة من مسرح الأحداث وقت صدور قرار التعويم، فإن رئيس وزراء مصر آنذاك - د. عاطف عبيد - لم يكن يعرف أن قراراً سيصدر بتعويم الجنيه حتي مساء يوم الثلاثاء 28 يناير 2003.. وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها إن جمال مبارك هو الذي أبلغ رئيس الوزراء بالقرار. وقال له: يا »عاطف« إحنا قررنا تعويم الجنيه.
وأكدت المصادر أن »عبيد« فوجئ بالقرار وحاول أن يعلق علي ما قاله جمال مبارك وقال له »بس حضرتك والقرار عايز دراسة«، ولكن جمال رد بلهجة حازمة قائلاً: يا »عاطف« الحزب درس الموضوع بدقة - إحنا بندرسه من شهور - ومجهزين خطة كاملة لمواجهة أي آثار جانبية والدراسات اللي عملناها أكدت أن الآثار دي هتكون وقتية وهتتلاشي بعد فترة بسيطة وبعدها هنرتاح من مشاكل كتير«.
وأضافت المصادر أن رئيس الوزراء استجاب تماماً لكلام جمال مبارك فطلب منه الأخير إعلان قرار تعويم الجنيه في مؤتمر الإيكونوميست. وقال: قرار زي ده حساس ولازم يُعلن بسرعة وأنسب وقت إنك تعلنه في مؤتمر اليورمني الذي ترعاه مجلة الإيكونوميست بكره ورد عبيد »حاضر يا أستاذ جمال«.
وبالفعل أعلن رئيس الوزراء القرار في جلسة مغلقة لم يحضرها الصحفيون وقال: »اعتبارا من غد الأربعاء ستكون هناك سوق حرة لصرف العملات الأجنبية« وساعتها عرف المصريون، ولأول مرة أن الجنيه المصري سيبدأ مرحلة التعويم.
نعود إلي السؤال: من الذي علم بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره؟.. علي وجه اليقين هناك 6 أشخاص علموا بالقرار قبل إعلانه بفترة ليست قصيرة أولهم بالطبع »جمال مبارك« الذي يعد الأب الروحي لقرار التعويم، ومعه شقيقه »علاء« والمجموعة الاقتصادية بالحزب الوطني وكانت تضم د. يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين وأحمد عز ووزير المالية آنذاك مدحت حسانين.
وحسب تأكيدات الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق فإن كل واحد من هؤلاء الستة له شلته وأصدقاؤه المقربون جداً وعددهم لا يقل عن 30 شخصاً، بالإضافة إلي أصدقاء عاديين لا يقل عددهم عن 200 شخص، ويقول عبدالخالق فاروق »من المؤكد أن كل هؤلاء علموا بالقرار أو علي الأقل الأصدقاء المقربين أي الثلاثين شخصاً المقربين جداً من الأشخاص الستة الذين عرفوا بالقرار قبل صدوره«.
ويضيف د. عبدالخالق فاروق »لدي معلومات موثقة بأن قائمة الذين علموا بالقرار قبل صدوره يتصدرها رجال الأعمال محمد أبو العينين، بالإضافة إلي ياسر الملواني العضو المنتدب لشركة هيرمس للأوراق المالية وطارق عامر نائب رئيس بنك مصر وأحمد البردعي رئيس بنك القاهرة السابق.
وحسب مصادر مصرفية فإن أكثر من استفادوا من ارتفاع سعر الدولار هم من كانوا يمتلكون مبالغ ضخمة بالدولار بحكم عملهم في الاستيراد والتصدير وعلي رأسهم ياسين منصور شقيق وزير النقل السابق محمد منصور، وجلال الزوربا رئيس اتحاد الصناعات وأحمد الوكيل أحد كبار مصدري الأرز، وخالد أبو إسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية - آنذاك.
ويؤكد الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق أن أكثر من ٠٣ شخصاً حصلوا علي قروض من البنوك قبيل فترة قصيرة من صدور قرار تعويم الجنيه واحتفظوا بهذه الدولارات حتي قفز سعرها بمقدار ٠٤٪ في لحظة فحققوا من وراء ذلك ثروات ضخمة.
وطبقاً لبيانات البنك المركزي فإن قيمة القروض بالعملة الأجنبية خلال العام الذي تم فيه تعويم الجنيه (٢٠٠٢/ ٣٠٠٢) زادت بمقدار ٥.٤ مليار دولار مقارنة بالعام السابق (١٠٠٢/ ٢٠٠٢) فزادت القروض الأجنبية الممنوحة للقطاع الخاص العامل بقطاع الصناعة بما قيمته ٥.٩١ مليار جنيه عام ١٠٠٢/ ٢٠٠٢ ليصل إلي ٤.٥٢ مليار جنيه عام ٢٠٠٢ / ٣٠٠٢ كما ارتفعت القروض الممنوحة لرجال التجارة من ٢.٩ مليار جنيه إلي ٦.١١ مليار جنيه ولرجال الأعمال العاملين بقطاع الخدمات من ٥.٦١ مليار جنيه إلي ٥.١٢ مليار جنيه بينما ارتفعت القروض العائلية من ٧.٢ مليار جنيه إلي ٩.٢ مليار جنيه.
وهكذا زادت القروض التي منحتها البنوك بالعملة الأجنبية بمقدار ٦١ ملياراً و٠٠٢ مليون جنيه وهو ما يعادل ٥.٤ مليار دولار، وهذه المليارات حققت لمن حصل عليها أرباحاً تعادل ٥.٧ مليار جنيه بسبب زيادة سعر الدولار من ٠٧٣ قرشاً في مساء يوم الثلاثاء ٨٢ يناير ٣٠٠٢ إلي ٥٣٥ قرشاً يوم الخميس ٠٣ يناير ٣٠٠٢ أي بعد ٤٢ ساعة فقط من تعويم الجنيه.
والسؤال.. لماذا التزم الجهاز المركزي للمحاسبات وجميع الأجهزة الرقابية الصمت حيال هذه الواقعة الخطيرة؟.. لماذا صمت كل هؤلاء؟.. ولماذا يصر البنك المركزي علي إخفاء الوثائق التي تكشف كل أسماء من تربحوا من قرار تعويم الجنيه؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق