الأحد، 8 يناير 2012

معتز بالله عبد الفتاح :عندى مفاجأة قد تزعج كثيرين

معتز بالله عبد الفتاح :عندى مفاجأة قد تزعج كثيرين



عندى مفاجأة قد تزعج كثيرين، مشاكل مصر لن تكون فى الدستور، ولن تكون فى غيابه. مشاكل مصر فى تواضع قدرات من سيحكمونها مقارنة بـ: أولا، كم التحديات، وثانيا، كم التوقعات.

دعونا نعترف أننا سنواجه مأزقا كبيرا لو كان هدفنا النهضة والتقدم. أما لو كان الهدف هو الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها وحشد الأصوات من أجلها، فهذا قطعا أسهل.

هل هذا يعنى أننا لن نواجه معضلة فى دستورنا القادم؟ المسألة ستتوقف تماما على مدى نضج القائمين على ما سنفعله من الآن وحتى تشكيل الجمعية التأسيسية وما ستفعله الجمعية التأسيسية. قطعا عملها سيكون مهما، سواء أصابت أم أخطأت. إن أصابت فقد وجهنا السفينة فى الوجهة الصحيحة جزئيا، وإن أخطأت فسيكون استمرارا لمدرسة العشوائية المصرية القائمة على «الفتى» و«الفتاكة» و«تسجل المواقف» و«محاربة طواحين الهواء» والدخول فى مناقشات بيزنطية يخرج فيه الشخص فائزا والوطن خاسرا.

من أسف، التحديات التى تواجهنا حادة وملحة وعميقة. أما الحدة فإنها تأتى من أننا لفترة من الزمن كانت تحكمنا حكومات فقيرة، فقيرة فى الفكر، وفقيرة فى الفقه، وفقيرة فى الأمانة؛ فتركتنا بحاجة لأن نحل فى قابل السنوات ما أفسدته فى سابق العقود. وهى تحديات ملحة لأن بقاءنا كمجتمع يمكن إطعامه من جوع وتأمينه من خوف أصبح يعتمد لحد بعيد على قرارات يأخذها أغنياء العرب وأغنياء الغرب بعد أن بلغ العجز فى الموازنة ما بلغ، وبلغ حجم الدين الداخلى ما بلغ، وبعد أن بلغ التراجع فى الاحتياطى النقدى ما بلغ. وهى تحديات عميقة لأن فساد حاكميها انتقال إلى محكوميها، أو بتعبير أدق إلى قطاع معتبر منهم.

وكى أكون أكثر صراحة، فمنذ أن عدت من الولايات المتحدة مررت بعدة صدمات كلها تتمحور حول نقص فى القوة أو نقص فى الأمانة أو فى كليهما على نحو لا يستطيع فرد بذاته أو منفردا من إصلاحه سواء فى: الحكومة (بمؤسساتها المختلفة)، أو المجلس العسكرى، أو بعض القوى السياسية، أو بعض منظمات القطاع الخاص. وهى كلها صدمات تثبت أن تآكلا حادا قد حدث فى رأس المال البشرى والاجتماعى والقدرة على العمل الجماعى وإعلاء الصالح العام على الخاص، والقدرة على مصارحة النفس، والقدرة على تقديم تنازلات متبادلة من أجل تحقيق مصلحة مشتركة.

***

منذ فترة ليست بالطويلة تجمعنى نقاشات مع مجموعات متنوعة من المتخصصين والسياسيين بشأن قضايا متنوعة، بما فيها قضية الدستور، لأكتشف أن أولويات الأفراد عادة ما تختلف عن أولويات الجماعة أو الأحزاب التى ينتمون إليها، وأولويات الجماعة تختلف عادة عن أولويات الوطن (من وجهة نظرى على الأقل).

أرجو أن تدرك القوى السياسية المختلفة حرج اللحظة التى نمر بها، وأرجو ألا يستخفوا بانعكاس مواقفهم على مستقبل البلاد بصفة عامة. هناك دول تنجو بنجاة القائمين عليها من الغطرسة والتكبر وسوء تقديرهم لاحتياجات الوطن.

هناك دول أقل منا فى سلم الحضارة، ولكن أنعم الله عليهم بنخب أرقى من نخبنا السياسية فى سلم إنكار الذات والبحث عن الصالح العام نجحت بامتياز فى ما نحن مقدمون عليه. دولة مثل «بنين» فى عام 1990 شرعت فى كتابة دستور جديد ونجحت بشكل لافت لدرجة أنها قدمت مثالا يحترم فى كيفية تحقيق التوافق الوطنى على الدستور وفى سرعة إنجازه كذلك؛ فقد قامت بعمل لجان استماع لمئات من أبناء البلد من المتخصصين والمواطنين العاديين وصولا إلى سبعة مجلدات من المقترحات التى تم تحويلها إلى لجان فرعية بقواعد محددة سلفا للخروج بمقترحات تم عرضها على مؤتمر عام وصولا إلى إقرار دستورها. دولة مثل «مالى» فى عام 1992 قامت «بمراجعة» دستورها كجزء من إنهاء العنف الطائفى والعرقى الذى كان سائدا فيها وكجزء من الانتقال إلى الحكم المدنى بعد عقود من الحكم العسكرى. وتعد تجربة مالى، تجربة ناجحة للغاية فى كيفية تصميم المؤسسات الجديدة بدون المساس بهوية الدولة ومقومات المجتمع الموروثة؛ وتم تشكيل جمعية تأسيسية تشبه جمعيتنا القادمة. وقررت الجمعية التأسيسية عقد مؤتمر واسع حضره حوالى 1518 عضوا من كل القوى السياسية الرسمية وغير الرسمية. وتم تقسيم المؤتمر إلى خمس لجان كبرى، كل لجنة تختص بأمر من الأمور مثل لجنة للمؤسسات والسياسات، وأخرى للشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لجنة للشباب، لجنة للمناطق الريفية، لجنة مختصة بمشاكل العنف فى شمال البلاد. وبعد اجتماعات مستفيضة انتهوا إلى أن لجنة تنسيقية من 63 من المتخصصين والخبراء لصياغة النص المبدأى للتعديلات الدستورية تمت مناقشته وأخيرا قدم للاستفتاء. ووافقت الأغلبية عليه. وبدأت تهتم مالى بالقضايا الأخرى التى تجعل منها الآن تجربة ناجحة فى الإدارة الجيدة للتحول الديمقراطى والاقتصادى.

أين نحن من كل هذا؟
قيل لى ذات مرة إن أكثر فيلسوف أثر فى العقل الفرنسى هو رينيه ديكارت، وأكثر فيلسوف أثر فى العقل البريطانى هو فرانسيس بيكون، وأكثر فيلسوف أثر فى العقل الألمانى كان إيمانيول كانط، وأكثر فيلسوف أثر فى العقل الأمريكانى هو جون ديوى، وأكثر فيلسوف أثر فى العقل المصرى هو الباش مهندس جحا الفهلوى.

هذا الرجل جحا، لا هو مهندس، ولا أى حاجة، ولا هو أصلا متعلم، لكنه كعادتنا ناس مجاملة تصف أى شخص وأى شىء بأى صفة حتى دون أن نتحقق. جحا الفهلوى الكامن فى عقول الكثيرين منا قرر الرفض القاطع والدائم للمسار الذى اختارته الأغلبية رغم عن أن أكثر من نصف دول العالم أخذت به عند تعديل أو صياغة دساتيرها. هذا المسار هو واحد من أكثر من 10 طرق أخرى. كلها جيدة، ما دمنا سنحترمها كاملة. ولكننا أهل «فتى» بغير علم فقد فزعنا وأفزعنا أنفسنا. ومن حق كل مواطن أن يكون له رأيه، ولكن دون أن يشوه آراء الآخرين. هذا حقه، فهو مواطن حر يعيش فى دولة حرة، ولكن المشكلة فى أن الكثير من الحقوق التى نمارسها لها نتائج كارثية على المجتمع لأننا نركز على الحقوق ولا نركز على الواجبات. وفيما يتعلق بدستورنا، ها نحن أصبحنا متأخرين ومتباطئين ومستعجلين ومهرولين ومتثاقلين ومتسرعين، كله فى نفس الوقت.

فجأة نكتشف أن الامتحان غدا، فنذاكر بدءا من الساعة الثانية بعد منتصف الليل ونلعن الناس الذين ليست لديهم رحمة لأنهم لا يؤجلون الامتحان حتى نستعد. نذهب إلى القطار، لنكتشف أن «القطار فاتنا» لأن السائق لم يحترم تأخرنا وتحرك بالقطار فى موعده؛ الله لا يسامحه.

لأننا تأخرنا عن المسار الطبيعى الذى كان محددا من البداية بأن تكون الانتخابات فى يونيو ثم كتابة الدستور فى حوالى عام، أصبح الوقت المحدد الآن لنا شهرا ونصف حتى يخرج المجلس الأعلى للقوات المسلحة من ساحة العمل السياسى فى آخر يونيو على أقصى تقدير. والمعلومة التى عندى أن المجلس العسكرى يقول إنه سيترك السلطة فى آخر يونيو سواء تم إعداد الدستور قبل ذلك أم لا. طبعا لا أعرف الترتيبات الخاصة بهذا القرار، إن صدقت المعلومة أصلا.

ما أعتقده أصوب الآن هو أن نركز كل مجهودنا على الأبواب الثلاثة الأخيرة من دستور 1971 لأنها أصل الداء مع الالتزام بما سبق وإن أقره الشعب المصرى فى الاستفتاء الماضى. وهناك حلول جيدة للكثير من المعضلات التى تواجهنا فى دستور 1971 بما يجعله كأرقى ما تكون عليه الدساتير الأخرى التى درسها الباحثون فى «بيت الحكمة للدراسات الاستراتيجية» (أكثر من 25 دستورا).

إن أحسنا النية والفهم والتصرف، يمكن أن نوظف تاريخنا الدستورى وقدرات أساتذتنا وباحثينا كى نعبر هذه المرحلة. وعلينا أن نتذكر أن الفارق بين دستور 1946 ودستور 1958 فى فرنسا لم يكن فى هوية الدولة الفرنسية أو إعادة تعريف شعبها، وإنما فى الترتيبات المؤسسية من أجل تقوية مؤسسة الرئاسة فى مواجهة برلمان متشرذم. والقرار لكم
المصدر: الوفد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق