الأحد، 8 يناير 2012

السيد الغضبان يكتب:قطر.. قصة صعود دولة «عميلة»

السيد الغضبان يكتب:قطر.. قصة صعود دولة «عميلة»



مواجهة الخميني وضعت الخليج علي أولويات أمريكا.. ومواجهة العرب جميعا جعلت قطر رأس الحربة الأمريكية
تحفظ آل سعود علي استخدام القواعد الأمريكية بلا شروط.. أهدي لآل ثان اتفاقية دفاع مشترك مع واشنطن
البنتاجون نقل قواعده من السعودية إلي منطقة مطار عديد القطرية وجعلها أكبر قاعدة خارج الأراضي الأمريكية

«الجزيرة» ليست سر قوة الدوحة الوحيد.. لأنها تحشد شبكة نفوذ واختراق لدول الجوار من مراكز ثقافية وتعليمية ورياضية
ظهور وجوه المسئولين الإسرائيليين علي الشاشات وجعلها مألوفة للمواطن العربي.. أحد مكاسب تل أبيب من القناة القطرية
الخطط الأمريكية للمنطقة يملكها رجل واحد في الدوحة.. والمفاجئ أنه رئيس الوزراء وليس أمير البلاد
كلام صور- الشيخ حمد بن خليفة- الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري- أمير قطر الحالي- الشيخ خليفة بن أحمد آل ثان أمير قطر السابق
في السنوات القليلة الماضية ترددت بكثرة في الكتابات والحوارات السياسية عبارة تقول إن «فضائية تليفزيونية صنعت دولة» والعبارة كما هو معلوم تتعلق بقناة الجزيرة ودولة قطر.
وهذه العبارة- في تقديري- ليست دقيقة، فقناة الجزيرة ليست أكثر من عنصر واحد ضمن عناصر أخري كثيرة ساهمت بذكاء شديد، وتخطيط دقيق لتحويل «إمارة» خليجية صغيرة متواضعة الإمكانات البشرية والمادية إلي دولة تحاول أن تفرض نفسها كلاعب سياسي له دور مؤثر علي الساحة العربية، بل وعلي المستوي الإقليمي.
معرفة حقيقة «الظاهرة القطرية» تتطلب حديثا بقدر معقول من التفاصيل نطل بها علي بعض مشاهد التاريخ القريب لمنطقة الخليج، ومحاولة نستشف من خلالها العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة خاصة فيما يتعلق بالشأن العربي من هذه العلاقات.
بدء الانسحاب البريطاني
ونبدأ برصد بعض الملامح للأحداث السياسية الكبري في ستينيات القرن الماضي.. في هذه السنوات كانت الامبراطورية البريطانية تتخلي مضطرة عن مستعمراتها في جنوب وجنوب شرق آسيا وأهم هذه المستعمرات هي «الهند».
وكانت قوات الاحتلال قد بدأت في الرحيل عن معظم المستعمرات بعد أن تصاعدت حركات التحرر الوطني ورفض المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية لمنطقة الاحتلال العسكري.
كانت منطقة الخليج «الساحل الغربي للخليج» تحت الاحتلال البريطاني الذي يمتد وجوده من العراق شمالا مرورا بساحل الخليج العربي ثم ساحل اليمن الجنوبي «سلطنات اليمن الجنوبي» الممتدة إلي عدن ليتحكم في مضيق عدن الذي يتحكم في الملاحة بالبحر الأحمر وصولا إلي قناة السويس الممر المائي إلي البحر الأبيض المتوسط وبالتالي إلي أوروبا وانجلترا. وكانت بريطانيا العظمي في ذروة قوتها بحاجة إلي احتلال هذا «القوس» الذي يؤمن تجارتها مع مستعمراتها في جنوب آسيا.
بعد استقلال الهند عن بريطانيا العظمي، وخروج بريطانيا منهكة القوي من الحرب العالمية الثانية، بدأت القوات البريطانية تضع خطط انسحابها من مستعمراتها في آسيا ومن قوس حماية طريق تجارتها، ومنطقة الخليج جزء من هذا القوس.
إنشاء إمارات الخليج
كان هذا الساحل موطنا لقبائل عربية تتنقل علي امتداده من حدود سلطنة عمان حتي حدود الكويت، وكان لكل قبيلة أو مجموعة قبائل تتحرك في إطارها دون أن تكون هناك حدود واضحة للأراضي التي تخضع لهذه المجموعات القبلية، وكان يطلق عليها تسمية «الإمارات المتصالحة».
وعندما قررت بريطانيا الانسحاب من هذه المنطقة وإعلان استقلالها تم وضع حدود لكل إمارة من هذه الإمارات التي بلغ عددها تسع إمارات ماعدا الكويت التي كان لها حدود شبه رسمية، وتم إعلان استقلال هذه الإمارات رسميا عام 1971.
وبعد أن تولي الشيخ زايد آل نهيان السلطنة في إمارة أبو ظبي سعي جاهدا لتوحيد هذه الإمارات تحت مسمي «دولة الإمارات العربية المتحدة» لكن هذه المحاولة لم تنجح في إقناع جميع الإمارات بالانضمام إلي هذه الدولة التي ضمت سبع إمارات هي أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة والفجيرة وأم القوين وفضلت كل من إمارتي قطر والبحرين البقاء كإمارات مستقلة.
كانت هذه الأوضاع بطبيعة الحال ماثلة أمام مؤسسات وضع السياسات الاستراتيجية الأمريكية وهي تضع خططها لملء الفراغ الناجم عن رحيل الاستعمار البريطاني عن هذه المنطقة الحساسة والتي توجد بها مصالح حيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
في تلك الحقبة «ستينيات وسبعينيات القرن العشرين» لم تكن إمارات الخليج تمثل نقطة ارتكاز حيوية، بل كانت توضع علي هامش نقاط الارتكاز الأكثر أهمية في تلك الحقبة الحلفاء الأقوياء للولايات المتحدة الأمريكية وهي المملكة العربية السعودية وفيها أقيمت القواعد العسكرية الأمريكية، وإيران تحت حكم الشاه الصديق القوي لأمريكا وباكستان، التي يرتبط نظام حكمها العسكري بعلاقات بالغة القوة مع أمريكا.
كانت هذه البلاد الثلاثة تمثل خط الدفاع القوي أمام الطموح الصيني المتنامي الذي يمكن أن يتمدد في وسط آسيا، وأيضا أمام أي تحرك للاتحاد السوفيتي في اتجاه الجنوب.
إمارات الخليج تجذب الانتباه الأمريكي
في نهاية السبعينيات أنهت الثورة الإيرانية حكم الشاه وتولي الحكم في إيران نظام حكم إسلامي أعلن منذ اللحظة الأولي موقفا معاديا للولايات المتحدة الأمريكية.. وكان معني هذا التطور أن أحد أهم قلاع خط الدفاع والردع الأمريكي في هذه المنطقة قد انهار وأصبحت أحد أهم المناطق التي تضم مصالح استراتيجية أمريكية في شرق السعودية ومنطقة الخليج وهي البترول مهددة بقوة. وترافق مع انهيار النظام الحليف لأمريكا في إيران بدايات تصدع النظام العسكري الحليف الآخر لأمريكا الذي يمثل حلقة قوية من خط الدفاع والردع الأمريكي في المنطقة.
هذه الأوضاع الجديدة استدعت إمارات الخليج لتظهر بقوة علي خريطة رسم السياسات الاستراتيجية الأمريكية وهي تسعي لإعادة بناء خط دفاع وردع عسكري متقدم يواجه العدو الإيراني الجديد ويرصد التحركات الصينية في وسط آسيا والسوفيتية ثم الروسية بعد الصعود الجديد لروسيا عقب تفكك الاتحاد السوفيتي.
في هذه الحقبة التاريخية تم وضع الخطط الأمريكية الجديدة، وأهم عناصرها ضرورة وجود قواعد عسكرية قوية تضم قوات برية ومعدات ضخمة لتكون هذه القواعد قوة ردع لإيران ومنصة لمراقبة دائمة وفعالة لأي تحركات صينية أو روسية في منطقة وسط آسيا.
كانت أهم القواعد العسكرية الأمريكية متمركزة في المملكة العربية السعودية، لكنها- أي هذه القواعد- ظلت مقيدة برفض السعودية استخدام هذه القواعد- بشكل علني- ضد أي بلد إسلامي، خاصة إيران سواء لرغبة حكام السعودية بعدم التضحية بشرعية حكمهم المستندة إلي ادعاء حماية «المسلمين» وعدم المشاركة في أي عدوان علي شعب مسلم، أو لإدراك السعوديين والأمريكيين معا أن هذه القواعد يمكن أن تكون هدفا سهلا في حال نشوب صراع مسلح مع إيران، والمنطقة الشرقية هذه كما نعلم هي المخزن الأهم للبترول السعودي.
ومع استعراض الأوضاع في الإمارات الخليجية وهي المنطقة التي تمثل البديل المناسب لقواعد السعودية، واجهت أمريكا موقفا رافضا يماثل الرفض السعودي من الشيخ زايد حاكم دولة الإمارات العربية وأيضا موقفا رافضا من البحرين التي تحرص علي الابتعاد تماما عن أي تحرك يمكن أن يمثل استفزازا لإيران. أما الكويت فهي مستبعدة لأن بها حياة ديمقراطية تسمح لقوي المعارضة خاصة الإسلامية منها بعرقلة أي اتفاق لإقامة قواعد عسكرية أمريكية.
إمارة قطر الأكثر ملاءمة للخطط الأمريكية
وبدأ التفكير في إمارة قطر يفرض نفسه بقوة علي واضعي الخطط الاستراتيجية الأمريكية، فقطر إمارة مستقرة ولا تواجه مشاكل داخلية بفضل سياسة حاكمها الشيخ خليفة آل ثاني الذي كان يرفض إقحام بلاده في أي نزاعات عربية أو إقليمية مفضلا حالة من العزلة السياسية التي سمحت له باستخدام موارد قطر لتحقيق مستوي معيشي جيد لمواطني قطر الذين لا يتجاوز عددهم النصف مليون نسمة.
وتبقي عقبة هامة وهي كيفية إقناع حاكم قطر الشيخ خليفة بقبول إنشاء مثل هذه القاعدة العسكرية الضخمة مع ما تمثله من استفزاز لإيران وبعض دول المنطقة.
كان الحل هو التحرك ببطء وحذر وذكاء، ووجدت أمريكا ضالتها في أحد المسئولين القطريين الذين يتمتعون بمواصفات تمكنهم من تنفيذ مخططهم.
كان الرجل الذي تولي تنفيذ الخطط يملك المؤهلات التي تسمح له بأن يكون أحد قيادات الحكم وهو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فالرجل ينتمي إلي أحد فروع الأسرة الحاكمة وهو يشغل منصبا قياديا في الوزارات المعنية بالبلديات والزراعة والمياه في عام 1990، وتربطه علاقة قوية بالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ولي العهد ووزير الدفاع.
وبدأ تنفيذ المخطط الأمريكي بإقناع ولي العهد بأهمية توقيع معاهدة «دفاع مشترك» مع الولايات المتحدة الأمريكية لحماية إمارة قطر من مطامع سعودية في منطقة «الحقوسي» الحدودية وأطماع البحرين في الجزر المتنازع عليها، خاصة بعد أن اجتاحت القوات السعودية منطقة الحقوسي واحتلت المخفر الحدودي، وتم بالفعل توقيع معاهدة الدفاع المشترك بين إمارة قطر والولايات المتحدة عام 1991.
وفي عام 1992 بدأ نجم الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في الصعود ليتولي منصب وزير خارجية قطر مدعوما بقوة من ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة، ولم تمض سوي فترة تتجاوز عامين بقليل حتي كان وزير الخارجية يقنع ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة بالانقلاب علي والده الشيخ خليفة وهو في رحلة خارج البلاد. ويبدو أن ولي العهد اقتنع بأن والده ينوي تعديل نظام ولاية العهد ليتولي نجله القوي آنذاك الشيخ عبدالعزيز ولاية العهد، وهو- أي الشيخ عبدالعزيز- وزير المالية والبترول آنذاك. وعلي أي حال فمهما كانت الدوافع فقد تم الانقلاب بنجاح وتم تنصيب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أميرا لقطر. ومنذ هذه اللحظة تولي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر وزير الخارجية جميع الملفات الحساسة والمهمة في إمارة قطر الجديدة ليصبح بحق كما يطلقون عليه في قطر «رجل قطر القوي».
عناصر إقامة دولة قوية
وهنا بدأ تنفيذ المخطط الأمريكي بسرعة، وكان المخطط يستند إلي عدة عناصر:
الأول: إقامة قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، وتم بالفعل نقل القواعد العسكرية من السعودية إلي منطقة مطار عديد بقطر وتم تدعيم هذه القاعدة لتصبح أكبر وأقوي قاعدة عسكرية أمريكية خارج الأراضي الأمريكية، وتم تبرير هذه الخطوة بأنها التنفيذ العملي لمعاهدة الدفاع المشترك.. واقتنع الأمير الجديد بأن هذه القاعدة ستحمي حكمه من محاولات والده وأخوته بالعودة لحكم قطر والإطاحة به خاصة أن محاولة فاشلة تمت فعلا في هذا الإطار.
ثانيا: ضرورة إنشاء مؤسسة إعلامية قوية تستطيع أن تواجه بقوة ترسانة الإعلام السعودي والمصري، وكانت الحجة أن قطر تتعرض لهجمات إعلامية ضارية ولا تملك قوة إعلامية مناسبة للرد علي هذه الهجمات.
أما الهدف الحقيقي فكان الرغبة في استخدام هذه المنصة الإعلامية لملء الفراغ الإعلامي الذي نتج عن القيود العنيفة التي فرضتها أنظمة الحكم العربية علي مؤسساتها الإعلامية، ومن خلال ملء هذا الفراغ تستطيع هذه المنصة الإعلامية القطرية تحقيق أكثر من هدف علي النحو التالي:
1- شن الهجمات الشرسة علي أنظمة الحكم العربية خاصة في الدول العربية المحورية لتطويع حكام هذه الدول لمزيد من الرضوخ للمطالب والإملاءات الأمريكية.
2- تقديم قطر للشعوب العربية علي أنها واحة الحرية والدولة التي تحتضن حرية التعبير في المنطقة العربية.
3- اختراق المقاطعة العربية لإسرائيل إعلاميا بمنح الإسرائيليين منبرًا إعلاميًا له جاذبية جماهيرية، بمنطق الالتزام بالقواعد المهنية للإعلام والتي تحتم عرض وجهتي النظر عن بث أخبار النزاعات.
ثالثا: استغلال قطر لحالة ضعف الأنظمة العربية لتفرض نفسها كوسيط في العديد من النزاعات العربية العربية، باستخدام قوة الإعلام وقوة المال لتفرض نفسها كلاعب أساسي في المحيطين العربي والإقليمي.
رابعا: تمكين قطر من امتلاك العناصر التي تؤهلها للتحرك كقوة عربية وإقليمية من أهم هذه العناصر إنشاء مراكز ثقافية وتعليمية تضارع المراكز الأكثر تقدما في العالم، والمشاركة بقوة في كل ألوان النشاط الفني والرياضي ذي الطبيعة القومية العربية أو الإقليمية أو حتي العالمية مثل تنظيم الألعاب الأوليمبية الآسيوية ودورة الألعاب الأوليمبية العربية، بل وصل الأمر إلي النجاح- ولو مؤقتا- في الحصول علي موافقة الفيفا لتنظيم مباريات كأس العالم لكرة القدم.
بعد أن تحقق لقطر أكثر هذه العناصر تحركت بقدر كبير من الثقة لتفرض نفسها كلاعب أساسي علي الساحة العربية، وكانت «قناة الجزيرة» منصتها الإعلامية هي المعبر عن حركتها القوية هذه التي ظهرت بشكل قوي في ساحات الثورات العربية.
خامساً: مما أكسب القاهرة منزلة خاصة وتعاطفاً جماهيرياً عربياً، أن القاهرة فتحت أبوابها لجميع الأحرار العرب الذين يتعرضون للاضطهاد فى بلادهم، كان هذا التصرف أحد أهم عناصر تعاطف الجماهير العربية مع مصر فى حقبتى الخمسينيات والستينيات.
ولم تتردد الدوحة فى القيام بهذا الدور الذى تمارسه دولة إقليمية كبرى بحجم مصر، أملاً فى أن يكون هذا التصرف جالباً للتعاطف الجماهيرى العربى، وحتى تقدم هذا التصرف رداً عملياً على من يتحدث عن تبنى نظام الحكم القطرى لأجندة أمريكا بالمنطقة، ومن أمثلة هذا التصرف استضافة خالد مشعل وسعد الدين إبراهيم وغيرهم.
ويبقي الحديث متصلا حول «الظاهرة القطرية».

المصدر: الوفد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق