الثلاثاء، 3 مايو 2011

حتى لا يتحول الأمن الوطنى إلى أمن الدولة

المصدر : الشروق

لشيماء عزت -

 هل حقا انتهى جهاز مباحث أمن الدولة أم أن حل الجهاز بقرار اللواء منصور العيسوى وزير الداخلية، لن يؤدى إلا إلى إعادة تشكيله تحت مسمى جديد؟ فتاريخ ذلك الجهاز يشير إلى أن تغير اسمه 4 مرات على مدى قرابة قرن لم يغير من طبيعة الجهاز، وإنما ـــ كما تشير كل المستندات التى تم الكشف عنها مؤخرا ــ كان يزداد سوءا حتى وصل إلى الذروة قبل اقتحامه من قبل المتظاهرين فى مارس الماضى.

ما بين «قسم المخصوص» الذى أنشأه المحتل الإنجليزى فى عام 1913 وأوكل إليه مهمة التتبع والتلصص على المصريين للقضاء على مقاومتهم للاحتلال، ووضع له هدفا ظاهريا هو الحفاظ على الأمن السياسى، ومرورا بالجهاز الذى أنشأته ثورة 23 يوليو تحت اسم «المباحث العامة»، وسماه الرئيس الراحل السادات بعد ذلك «مباحث أمن الدولة»، وانتهاء بـ«قطاع مباحث أمن الدولة» وترقيته إلى رتبة «جهاز»، لم يتغير أثناء ذلك سوى اللافتة التى اعتلت مبانى ذلك الحصن المنيع التى شابهت فى بنائها الهندسى القلاع الحربية، بل زاد فحش ممارساته وانتهاكاته الوحشية للحريات ومبادئ حقوق الإنسان، حتى فاض الكيل بالمصريين فقرروا الهجوم عليه.

وبقى التخوف الأكبر بعد قرار اللواء العيسوى بتشكيل قطاع جديد يسمى «الأمن الوطنى» أن يكرر نفس الممارسات والتجاوزات التى كان يمارسها نظيره.

المستشار رفعت السيد رئيس نادى قضاة أسيوط السابق أكد أنه تفاديا لحدوث أى تجاوزات من جانب الأجهزة الرقابية عامة وجهاز الأمن الوطنى الجديد بصفة خاصة يتعين تحديد اختصاصات تلك الأجهزة تحديدا جازما، وأن يقتصر دور جهاز الأمن الوطنى على مجرد التحرى عن مرتكبى جرائم الإرهاب والجرائم التى تمس الأمن الداخلى للدولة، وأن يكون عملها هو التحرى فقط دون أن يكون له الحق فى القبض على المتهمين أو استجوابهم.

وأضاف أن الأصل فى جهاز الأمن الوطنى أنه جهاز معلومات يقدم تقاريره إلى أجهزة الشرطة المختلفة سواء كانت إدارات البحث الجنائى بمديريات الأمن أو أقسام الشرطة ومراكزها.

وقال رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق إنه لابد أن تكون جميع أنشطة الجهاز خاضعة لإشراف السلطة القضائية بما يقدمه من تقارير للنيابة العامة والقضاء، وأكد أنه ليس هناك ضمانات لعدم عودة التجاوزات القديمة سوى بالإرادة السياسية، والإرادة الشعبية التى هى فى حد ذاتها رقابة شعبية. وعلى الرغم من أن القانون كفل للنيابة العامة سلطة الإشراف على الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية مثل أقسام الشرطة وغرف الحجز داخلها والسجون وغيرها، فإن الواقع العملى كان يحول دون تنفيذ القانون، فالحقيقة أن أيا من رجال النيابة العامة لم يكن يقترب حتى من بعيد إلى مبنى من مبانى الجهاز الحصين، وهذا هو ما أكده الرائد هشام زغلول الذى خدم لفترة فى جهاز أمن الدولة قائلا: «لم يكن هناك متابعة أو أى نوع من الرقابة على أمن الدولة لعدة أسباب أولها أن قانون الطوارئ كان يعطى ضباط الجهاز وممارساتهم تجاه المواطنين قوة وشرعية ليس لها حدود فهو من حقه القبض على أى شخص لمجرد الاشتباه فيه، وحتى إذا كانت هناك رقابة من النيابة فإن عمل الضابط سيكون قانونيا وفقا لقانون الطوارئ.والسبب الثانى أن القيادة الأولى فى الوزارة كانت قد فوضت جميع السلطات لهذا الجهاز دون قيد أو شرط بهدف العمل على حماية النظام وهو ما جعله يخرج بشكل كامل عن إطار عمله الحقيقى».

وشدد الرائد هشام زغلول على أن إصلاح ذلك الجهاز يأتى عن طريق تغيير طبيعة عمله وعدم تسييسه. وكانت تصريحات للواء العيسوى وزير الداخلية أكدت أن قطاع الأمن الوطنى الجديد ستقتصر مهامه على قضايا الإرهاب المسلح وجمع المعلومات عن المنظمات الدينية المسلحة التى تلجأ للعنف وعدم القبض على المواطنين من خلال الشبهات أو التجسس على التليفونات، على الرغم من أن تلك المهام كانت أساس عمل الجهاز القديم أيضا وفقا للقانون، كما أشارت تصريحات العيسوى إلى أنه يدرس مسألة خضوع القطاع فى تحركاته إلى رقابة النيابة العامة التى هى فى الأصل رقيبة عليه بالإضافة إلى رقابة مجلس الشعب من خلال لجنة الدفاع والأمن القومى وهو دور المجلس أيضا فى الرقابة على المؤسسات التنفيذية فى الدولة، وتلك التصريحات أثارت بدورها بعض المخاوف من عدم الوضوح فى التعامل مع القطاع الذى أكد العديد من الخبراء الأمنيين أن عليه تقديم تقارير دورية عن نشاطه وميزانيته حتى لا يصبح دولة أخرى داخل الدولة.

واستبعد وزير الداخلية أيضا أخذ رأى الجهاز فى اختيار المسئولين للمناصب الكبرى واستبعاد دوره القديم فى الانتخابات البرلمانية أو أى انتخابات وترك ذلك للقضاء، مع العلم بأن تلك الممارسات كانت من تجاوزات الجهاز القديم.

ومن ناحية أخرى قال أمير سالم المحامى والناشط الحقوقى إن الضمان الوحيد لتغيير طبيعة عمل الجهاز وعدم عودة تجاوزاته وممارساته السابقة هو أن يصبح مثل جهاز دعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الذى تقتصر مهامه على جمع المعلومات والبحث لأغراض تتعلق بحماية الدولة من الإرهاب والجماعات المسلحة، أو الجرائم المنظمة التى تستهدف أمن مصر الداخلى، وقال: «اقترحت على اللواء منصور العيسوى وزير الداخلية أن تتغير تبعية القطاع من وزارة الداخلية ليتبع رئاسة الوزراء أو المخابرات العامة، بالإضافة إلى ضرورة وجود رقابة قضائية سابقة ولاحقة عليه أى قبل أداء مهامه وبعدها لأن هذا الجهاز بقدر أهميته فى حماية الدولة فهو قادر على التعدى على حقوق المواطنين وحرياتهم الخاصة».

وأوضح سالم أن المجتمع المدنى واللجان الشعبية يجب أن يكون لهما دور كبير فى الرقابة على هذا الجهاز وغيره من المؤسسات الرقابية فى مصر لأنه من شأنها أن تكون حلقة وصل بين المواطن وبين الحكومة وتساهم فى حماية حقوقه وإرشاده إلى الطريق القانونى الصحيح فى حالة وجود تجاوزات ضده.

من ناحية أخرى يقترح رئيس نادى قضاة مصر السابق المستشار زكريا عبدالعزيز ضرورة إلغاء كل السجون التابعة لجهاز أمن الدولة القديم وقصر وجود السجون فى أماكن احتجاز المتهمين داخل أقسام الشرطة أو السجون العمومية المعروفة.

وإلى جانب تحديد دور قطاع الأمن الوطنى الجديد فى مكافحة الإرهاب والتصدى للجاسوسية والبعد تماما عن حياة المصريين اليومية والتجسس والتنصت على مكالمتهم الخاصة، يؤكد عبدالعزيز ضرورة الامتناع عن العمل السرى داخل القطاع وإتاحة جميع المعلومات عن كل ما يتم إنجازه من عمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق