المصدر : روز اليوسف
او كان كل رجال مبارك يجب أن يحاكموا مرة واحدة، فرجال (الحاشية) يجب أن يحاكموا مرتين، والحاشية هي البطانة التي تحيط بالشيء من جميع جوانبه، وفي حالة الملوك والسلاطين والرؤساء فإن رجال الحاشية هم بطانة الحاكم، ورجاله الذين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، ويتبعونه تبعية الظل للأصل وتبعية الخادم للمخدوم.
والحقيقة أنه ليس كل من عمل مع مبارك كان من حاشيته أو لصيقا به علي المستوي الشخصي، هناك من عملوا معه في حدود الأداء الوظيفي، وهناك من اقتربوا فترة ثم ابتعدوا، وهناك من احترقوا بنار القرب من السلطان.
والحقيقة أنه علي رغم اختلاف صنوف الذين عملوا مع مبارك واقتربوا منه وابتعدوا عنه فإن ثلاثة فقط من رجاله كانوا هم أقرب رجال الحاشية له، وأكثرهم التصاقا به ونوالا لرضاه الشخصي، اثنان منهم من جيل مبارك نفسه تقريبا عرفا طريقهما إليه منذ كان نائبا، أما الثالث فهو من جيل مبارك الابن وهو أيضا امتلك موهبة الاقتراب والالتصاق والاختراق إلي الحد الذي جعله بخدماته شبه فرد من أفراد العائلة.
إذا كنت تتحدث عن الحاشية فأنت بالتأكيد تتحدث عن صفوت الشريف وزكريا عزمي ثم عن أنس الفقي، ولعلك لست في حاجة لأن تتساءل عن السبب الذي يجعل هؤلاء دون غيرهم هم رجال الحاشية، ذلك أن ما يجعل الشخص صالحا لأن يكون فردا في بطانة الحاكم هو شيء ما في تكوينه قد تشي به ملامح وجهه أو تاريخه أو استعداده الفطري، أو الإحساس الذي ينتابك حين تنظر إليه، والأكيد أن ثلاثي الحاشية كان يتسم بكل هذه السمات مجتمعة لدرجة أن نظرة واحدة لوجه كل منهم تجعلك لا تندهش أبدا من كونه أحد رجال الحاشية، واذا كانت مصر في عصر مبارك لم تشبه شيئا بقدر ما شابهت نفسها وهي تحت حكم المماليك في عصور انحطاطهم فلا عجب أن تكون الحاشية هي أبرز ملامح عهد مبارك!
وبحكم الأقدمية فإن صفوت الشريف ربما كان أبرز رجال الحاشية وأكثرهم قدرة علي الاستمرار ومواصلة الالتصاق بمبارك من لحظة الصعود إلي صدمة السقوط، ومن سنوات الازدهار إلي يوم الانهيار، ولا شك أن تاريخه الشخصي والوظيفي الذي بات معروفا كان أحد العوامل التي ساعدته علي أن يكون أبرز رجال الحاشية، لكنه بالتأكيد كان يملك مؤهلات أخري بخلاف كونه ضابط عمليات قذرة، أهلته لأن يبقي راكبا علي أنفاس المصريين كل هذه السنوات محتميا برضا مبارك ودعمه وتشجيعه وإعلانه الدائم أن (صفوت) لا يمس، والحقيقة أنه إذا كان لكل امرئ من مهنته ومن اسمه أيضا نصيب، فإن هذا القول لا ينطبق علي أحد بقدر ما ينطبق علي صفوت الشريف وهو كما يعرف الجميع تقريبا ضابط مخابرات سابق، عرف طريقه إلي الخدمة في الفترة التي كان صلاح نصر يؤسس فيها المخابرات المصرية، وقد صار شائعا جدا أنه حوكم في قضية انحراف المخابرات المصرية عام ,68 وأنه أدلي باعترافات تفصيلية أمام رئيس النيابة عبد السلام حامد عن طبيعة مهمته كمسئول عن عمليات السيطرة أو (الكنترول) كما سجل هو في تقرير من22 صفحة كتبه بخط يده، وسلمه للمحقق وشرح فيه بالتفصيل طبيعة العمليات التي كان يشرف عليها، وعددها، وأبطالها من الرجال والنساء، وهي كما بات يعرف الجميع عمليات تستهدف السيطرة الجنسية علي عدد من المطلوب تجنيدهم للعمل مع المخابرات عن طريق تصويرهم في أوضاع خاصة والاحتفاظ بالشرائط التي تم تسجيلها، ورغم حرصه علي إظهار أنه كان يقوم بعمل مخابراتي بحت ليس فيه شبهة انحراف شخصي إلا أن الشريف أحيل للاستيداع في أعقاب القضية، وقد كان عمره حين انتهت حياته الوظيفية للمرة الأولي 35 عاما فقط، وهو ما يعني أنه كان عليه أن يبدأ من جديد، وهو ما فعله بعد سبع سنوات من خروجه للمعاش حين التحق بهيئة الاستعلامات عام 1975 كرئيس للقسم الداخلي، ويقال إن حسن عليش رئيس هيئة الأمن القومي ومسئوله المباشر في المخابرات هو الذي توسط له كي يحصل علي هذه الوظيفة.
ولأن المؤامرات لا يسجلها التاريخ إلا إذا فشلت ! ولأن التاريخ لا يكتبه سوي المنتصرين فإن القصة التالية لا دليل عليها سوي رواية صاحبها والقصة تقول إن صفوت الشريف بعد أن تمت ترقيته ليصبح رئيسا لهيئة الاستعلامات قضي علي رئيسها مرسي سعد الدين، وهو مثقف أقرب إلي طبيعة الفنانين، ويقول بعض الرواة إن حديثا دار بينه وبين نائبه عن الرئيس السادات وأن الحديث وصل للسادات بعد ساعات موثقا ومسجلا، ليطيح بمرسي سعد الدين صديقه القديم ويعين نائبه صفوت الشريف بدلا منه، ولأن الحديث كان عن رفض مرسي سعد الدين الانضمام للحزب الوطني فقد بادر صفوت الشريف لتسجيل اسمه في لائحة مؤسسي الحزب الوطني.
وتقول الروايات إن علاقته بالرئيس المخلوع مبارك بدأت في تلك الفترة، وهي علاقة قامت كما هو متوقع علي مؤامرات القصور، حيث تقول الروايات إن تحالفا متينا قام بين النائب وبين رئيس هيئة الاستعلامات ضد النفوذ المتنامي لوزير الإعلام والثقافة منصور حسن والذي كان الرئيس السادات ينوي تعيينه نائبا ثانيا له، وأن الشريف الذي كان مسئولا عن التعامل مع وسائل الإعلام العربية استطاع إقناع مجلة الحوادث اللبنانية بأن تضع علي غلافها صورة منصور حسن مصحوبة بعنوان يصفه بأنه الرئيس القادم لمصر ! وقد كان ذلك كفيلا بأن يصرف السادات النظر عن فكرة تعيينه نائبا وإلي الأبد.
تحالف مبارك والشريف عبر عن نفسه في بقاء الشريف وزيرا للإعلام لمدة 22 عاما متواصلة، حيث عينه مبارك وزيرا عقب توليه بشهور قليلة ليبقي في منصبه حتي عام 2002 ، ويخرج منه إلي منصب شرفي هو رئاسة مجلس الشوري، لكن نفوذ صفوت الشريف لدي مبارك جعله يحول المنصب الشرفي إلي نقطة قوة حقيقية يلعب من خلالها دور المهندس السياسي للعلاقة مع المعارضة والقوي السياسية والصحافة الخاصة والحزبية، ولعل الأهم في رواية قصة الشريف ومبارك هو استخلاص المعني الذي يقول إن المسئول في عهد مبارك تظهر له ميزات شخصية لأنه يستمر في موقعه ولا يستمر في موقعه لأن له ميزات شخصية وهو ما توضحه القصة التي رواها المهندس حسب الله الكفراوي للإعلامي عمرو الليثي في برنامجه «واحد من الناس» وتقول القصة باختصار إن أخبارا تنامت لعلم الكفراوي في أوائل التسعينيات أن مجموعة من تجار سوق روض الفرج اكتتبوا فيما بينهم بمبلغ أربعة ملايين ونصف المليون جنيه ليقدموه كرشوة مشتركة لمجموعة من كبار المسئولين هم عاطف صدقي وفتحي سرور وصفوت الشريف ومحافظ القاهرة عمر عبد الآخر ووزير الحكم المحلي وقتها، وأن الكفراوي بادر كعادته بإبلاغ مبارك بما سمع ليبادره فور سماعه القصة مباشرة قائلا (صفوت لا) والمعني أنه تجاهل توجيه الاتهام لأربعة من أكبر مسئوليه ولم يتوقف سوي أمام صفوت الشريف ليحذر الكفراوي من المساس به!
وإذا كان الشريف امتلك من المؤهلات ما كفل له أن يكون فردا مؤسسا في حاشية مبارك فإن مؤهلات أخري موازية ومختلفة من حيث طبيعتها كفلت لزكريا عزمي مكانا ربما لايقل أهمية في حاشية مبارك عن أهمية صفوت الشريف، بل ربما تجاوزتها حيث استطاع زكريا عزمي أن يحول نفسه من مسئول عن شئون الرئاسة إلي مسئول عن شئون الرئيس، وهو استطاع بنفس البراعة أن يحول نفسه من موظف إلي سياسي، ومن مساعد لمبارك لنظارة يري بها مبارك الأمور من حوله، ولعل ملامح وجهه كانت جزءا من دوره الذي يلعبه حيث تبدو سحنته دائما مقلوبة، ويبدو وجهه دائما وكأن عليه غضب الله، وهو ما يتفق مع دوره كعصا للرئيس يستخدمها في إرسال الرسائل للوزراء والمسئولين من خلال أدائه في مجلس الشعب. زكريا بدأ حياته ضابطا في سلاح المدرعات ثم انتقل للحرس الجمهوري في عام 65 ، وعلي مايبدو فإن كفاءته في دراسة الحقوق إلي جانب عمله كفلت له الانتقال لديوان رئيس الجمهورية، حيث عمل رئيسا للشئون السياسية في مكتب الرئيس السادات، وهو مثل صفوت الشريف استطاع أن ينسج علاقته بالرئيس المخلوع مبكرا، وفي الأيام الأولي التي كان فيها نائبا جديدا لرئيس الجمهورية، حيث كان عزمي مديرا لمكتب حسن كامل رئيس الديوان، وعلي ما يبدو فقد ساعد النائب الجديد وقتها علي فهم الكثير مما يجري في ديوان الرئاسة ونمت بينهما علاقة خاصة كان من أثرها أن مبارك عينه رئيسا للأمناء في القصر الجمهوري بمجرد توليه، ثم واصل رحلة صعوده إلي جوار مبارك ليوصف بأنه سيفه الذي يقطع به رقبة من يريد، أما في الحزب الوطني فقد ترقي من مجرد أمين وحدة حزبية في الزيتون عام 1987 إلي أمين الشئون المالية والإدارية في الحزب، وليحتفظ لدورات متتالية بعضوية مجلس الشعب الذي كان يمارس فيه أداء أقرب لأداء المعارضة كان الهدف منه إيصال رسالة أن الرئاسة ليست الحكومة وأن رئيس الجمهورية يمكنه من خلال زكريا عزمي توجيه اللوم للمقصرين من المسئولين، وقيل إن الرئيس مبارك كان يستخدمه لإيصال رسائل لبعض المسئولين الذين يلعبون من خلف ظهره وهو ما أدي لأن يصك عزمي مصطلحات باتت شهيرة في ظل حالة الفقر السياسي التي اتسم بها عصر مبارك مثل حديثه عن حرامية الخصخصة أو عبارته الشهيرة عن «فساد المحليات الذي وصل إلي الركب»!
وإلي جانب هذه الأدوار كان عزمي مسئولا عن كل ما يخص الشئون الخاصة لمبارك وعائلته، وكان أمينا لصندوق جمعيتي مصر الجديدة والرعاية المتكاملة اللتين ترأسهما سوزان مبارك، وقد بلغ نفوذه درجة أنه كان الموظف الوحيد في الدولة الذي صدر من أجله قانون من مادة واحدة تقول إنه من حق رئيس الجمهورية تعيين رئيس ديوانه وتحديد طريقة تعامله المادية وإعفائه من السن المقررة قانونا للخروج علي المعاش، وكانت مناسبة القانون قرب بلوغ زكريا عزمي لسن الإحالة إلي المعاش!
عزمي الذي كان الجميع يعرفون تأثيره علي مبارك كان رجل العمليات القذرة بمعني آخر فهو الوحيد الذي كان يتولي تحويل غضب مبارك علي شخص ما إلي إجراءات فعلية، حيث كان يكفي لمبارك أن يعلن غضبه أو رغبته في البطش ليتولي عزمي ترجمة ذلك لسيناريو فعلي ولخطوات يتم تنفيذها علي أرض الواقع، وهو مثل صفوت الشريف ظل منطقة محظورة في الحياة السياسية المصرية لا يجرؤ أحد علي مهاجمته والاقتراب منه ربما باستثناء مرة وحيدة في أعقاب حادث غرق العبارة السلام والتي كانت مملوكة لصديقه وربما شريكه ممدوح إسماعيل، حيث حاول بعض أعضاء مجلس الشعب تقديم طلب لإحالته للمدعي الاشتراكي للتحقيق في علاقته بممدوح إسماعيل، لكن الطلب رفض، وبقي زكريا عزمي كما هو مخيفا وقريبا وعازلا لمبارك عما حوله للدرجة التي شاع فيها أنه كان لسنوات طويلة يحذر زوار مبارك من أن يحدثوه في موضوعات تكدر مزاجه أو تحزنه! وهكذا بقي مزاج مبارك رائقا للغاية حتي سقط الجميع !
وإذا كان صفوت الشريف وزكريا عزمي هما أركان حاشية الأب، فإن أنس الفقي وعلي عكس صفوت الشريف استطاع أن يكون مشتركا بين أفراد العائلة الرئاسية كلها، فقد كان محل ثقة الابن والأم والأب أيضا، وهو كان يفتخر بأنه تلميذ في مدرسة سوزان مبارك، ولم يكن ذلك غريبا فقد كانت هي التي اكتشفته ورعته وحولته من مندوب توزيع للموسوعات إلي وزير إعلام مصر، وهو من جيل الابن، وحين عين وزيرا كان عمره أربعة وأربعين عاما، والطريقة التي دخل بها للحياة السياسية في مصر تكشف مدي العبثية التي وصلت لها هذه الحياة في سنوات حكم مبارك، حيث تقول إحدي الروايات إن الفقي وهو خريج كلية التجارة كان يعمل في مجال توزيع الموسوعات العلمية وأنه طور نشاطه ليصبح ناشرا للموسوعات الخاصة بالأطفال، وبحسب الرواية الشائعة فقد كان مقر شركته مجاورا لمقر جمعية الرعاية المتكاملة التي ترأسها سوزان مبارك وهو ما دفعه لأن يسجل نفسه في عضوية الجمعية ويبادر إلي حضور اجتماعاتها ثم يجتهد لتقديم نفسه لسوزان مبارك التي أعجبت بالموسوعات التي ينشرها وبوجهات نظره في السياسة والحياة وهو ما دفعها لأن تقدمه للوريث الذي كان يخطو خطواته الأولي هو الآخر تجاه الحزب ومشروع التوريث ليصبح واحدا من رجاله والعقول المحيطة به، ولأنه يعمل في مجال النشر رأت سوزان مبارك أن تكون الثقافة هي محطته السياسية القادمة حيث أرسلته لفاروق حسني وزير الثقافة وطلبت منه أن يستفيد بقدراته في هيئة قصور الثقافة، حيث استمر يمارس عمله لمدة سنتين، وعندما حدث التغيير الوزاري في 2004 تقرر أن يستمر فاروق حسني وزيرا للثقافة ليرسوا قارب الفقي المدعوم بالعناية الرئاسية علي شاطئ وزارة الشباب لعدة شهور يصبح بعدها وزيرا لإعلام مصر، يدرك أن وظيفته الأولي هي تلميع العائلة الرئاسية ثم رجال (الهانم)، ثم رجال الحزب في المرتبة الثالثة، ويتعامل بنوع من الثقة المفرطة في النفس دفعته لأن ينفق 770 مليون جنيه علي عمليات تطوير الإعلام المصري، ولتتطور صلته بأسرة الرئيس للدرجة التي أدت لرواج شائعات متعددة عن انتقاله من الإعلام لرئاسة الجمهورية كوزير لشئون الرئاسة، لكن نفوذ زكريا عزمي جعله يقنع بأن يبقي مكانه في ماسبيرو مع الاحتفاظ بعلاقات شخصية وطيدة بأسرة مبارك، وهو ما دفع الموسيقار عمار الشريعي لأن ينفعل علي الهواء في أحد البرامج عقب قيام الثورة وينقل عن أصدقاء له حديثا معناه أن الفقي كان ينادي مبارك بلقب بابا وأن علاقته بالأسرة كانت تكفل له التنقل في أرجاء المنزل الرئاسي بما فيها حمام الرئيس مبارك !
وهي رواية جاءت غير منضبطة لكنها ذات دلالة، أنس الفقي أشيع أنه بدأ حياته راقصا في فرقة رضا للفنون الشعبية علي حد رواية المهندس حسب الله الكفراوي تحتفظ بعض المواقع بشريط مصور له وهو يشارك الفرقة إحدي الرقصات، وإن كان ذلك ليس مما يعيب المرء بقدر ما يعيبه التسلق والسعي للمناصب عن طريق الرضا الشخصي والعائلي.
علي أن الفقي كان شريكا في لحظات مهمة من تاريخ مصر، حيث شاء الله أن يسلطه هو وجمال مبارك علي الرئيس السابق، حيث قالت رواية موثقة إن الفقي هو الذي صاغ خطاب مبارك مساء الخميس 10 فبراير والذي استفز جموع المتظاهرين وجعلهم يتوجهون لمحاصرة القصر الرئاسي، حيث رفع الفقي وجمال شعار رفض التنحي وهو ما أدي لخروج الرئيس المخلوع بأكبر خسائر ممكنة، وهو شيء يستحقه مادام اختار شخصا مثل الفقي ليكون أحد أفراد حاشيته.
او كان كل رجال مبارك يجب أن يحاكموا مرة واحدة، فرجال (الحاشية) يجب أن يحاكموا مرتين، والحاشية هي البطانة التي تحيط بالشيء من جميع جوانبه، وفي حالة الملوك والسلاطين والرؤساء فإن رجال الحاشية هم بطانة الحاكم، ورجاله الذين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، ويتبعونه تبعية الظل للأصل وتبعية الخادم للمخدوم.
والحقيقة أنه ليس كل من عمل مع مبارك كان من حاشيته أو لصيقا به علي المستوي الشخصي، هناك من عملوا معه في حدود الأداء الوظيفي، وهناك من اقتربوا فترة ثم ابتعدوا، وهناك من احترقوا بنار القرب من السلطان.
والحقيقة أنه علي رغم اختلاف صنوف الذين عملوا مع مبارك واقتربوا منه وابتعدوا عنه فإن ثلاثة فقط من رجاله كانوا هم أقرب رجال الحاشية له، وأكثرهم التصاقا به ونوالا لرضاه الشخصي، اثنان منهم من جيل مبارك نفسه تقريبا عرفا طريقهما إليه منذ كان نائبا، أما الثالث فهو من جيل مبارك الابن وهو أيضا امتلك موهبة الاقتراب والالتصاق والاختراق إلي الحد الذي جعله بخدماته شبه فرد من أفراد العائلة.
إذا كنت تتحدث عن الحاشية فأنت بالتأكيد تتحدث عن صفوت الشريف وزكريا عزمي ثم عن أنس الفقي، ولعلك لست في حاجة لأن تتساءل عن السبب الذي يجعل هؤلاء دون غيرهم هم رجال الحاشية، ذلك أن ما يجعل الشخص صالحا لأن يكون فردا في بطانة الحاكم هو شيء ما في تكوينه قد تشي به ملامح وجهه أو تاريخه أو استعداده الفطري، أو الإحساس الذي ينتابك حين تنظر إليه، والأكيد أن ثلاثي الحاشية كان يتسم بكل هذه السمات مجتمعة لدرجة أن نظرة واحدة لوجه كل منهم تجعلك لا تندهش أبدا من كونه أحد رجال الحاشية، واذا كانت مصر في عصر مبارك لم تشبه شيئا بقدر ما شابهت نفسها وهي تحت حكم المماليك في عصور انحطاطهم فلا عجب أن تكون الحاشية هي أبرز ملامح عهد مبارك!
وبحكم الأقدمية فإن صفوت الشريف ربما كان أبرز رجال الحاشية وأكثرهم قدرة علي الاستمرار ومواصلة الالتصاق بمبارك من لحظة الصعود إلي صدمة السقوط، ومن سنوات الازدهار إلي يوم الانهيار، ولا شك أن تاريخه الشخصي والوظيفي الذي بات معروفا كان أحد العوامل التي ساعدته علي أن يكون أبرز رجال الحاشية، لكنه بالتأكيد كان يملك مؤهلات أخري بخلاف كونه ضابط عمليات قذرة، أهلته لأن يبقي راكبا علي أنفاس المصريين كل هذه السنوات محتميا برضا مبارك ودعمه وتشجيعه وإعلانه الدائم أن (صفوت) لا يمس، والحقيقة أنه إذا كان لكل امرئ من مهنته ومن اسمه أيضا نصيب، فإن هذا القول لا ينطبق علي أحد بقدر ما ينطبق علي صفوت الشريف وهو كما يعرف الجميع تقريبا ضابط مخابرات سابق، عرف طريقه إلي الخدمة في الفترة التي كان صلاح نصر يؤسس فيها المخابرات المصرية، وقد صار شائعا جدا أنه حوكم في قضية انحراف المخابرات المصرية عام ,68 وأنه أدلي باعترافات تفصيلية أمام رئيس النيابة عبد السلام حامد عن طبيعة مهمته كمسئول عن عمليات السيطرة أو (الكنترول) كما سجل هو في تقرير من22 صفحة كتبه بخط يده، وسلمه للمحقق وشرح فيه بالتفصيل طبيعة العمليات التي كان يشرف عليها، وعددها، وأبطالها من الرجال والنساء، وهي كما بات يعرف الجميع عمليات تستهدف السيطرة الجنسية علي عدد من المطلوب تجنيدهم للعمل مع المخابرات عن طريق تصويرهم في أوضاع خاصة والاحتفاظ بالشرائط التي تم تسجيلها، ورغم حرصه علي إظهار أنه كان يقوم بعمل مخابراتي بحت ليس فيه شبهة انحراف شخصي إلا أن الشريف أحيل للاستيداع في أعقاب القضية، وقد كان عمره حين انتهت حياته الوظيفية للمرة الأولي 35 عاما فقط، وهو ما يعني أنه كان عليه أن يبدأ من جديد، وهو ما فعله بعد سبع سنوات من خروجه للمعاش حين التحق بهيئة الاستعلامات عام 1975 كرئيس للقسم الداخلي، ويقال إن حسن عليش رئيس هيئة الأمن القومي ومسئوله المباشر في المخابرات هو الذي توسط له كي يحصل علي هذه الوظيفة.
ولأن المؤامرات لا يسجلها التاريخ إلا إذا فشلت ! ولأن التاريخ لا يكتبه سوي المنتصرين فإن القصة التالية لا دليل عليها سوي رواية صاحبها والقصة تقول إن صفوت الشريف بعد أن تمت ترقيته ليصبح رئيسا لهيئة الاستعلامات قضي علي رئيسها مرسي سعد الدين، وهو مثقف أقرب إلي طبيعة الفنانين، ويقول بعض الرواة إن حديثا دار بينه وبين نائبه عن الرئيس السادات وأن الحديث وصل للسادات بعد ساعات موثقا ومسجلا، ليطيح بمرسي سعد الدين صديقه القديم ويعين نائبه صفوت الشريف بدلا منه، ولأن الحديث كان عن رفض مرسي سعد الدين الانضمام للحزب الوطني فقد بادر صفوت الشريف لتسجيل اسمه في لائحة مؤسسي الحزب الوطني.
وتقول الروايات إن علاقته بالرئيس المخلوع مبارك بدأت في تلك الفترة، وهي علاقة قامت كما هو متوقع علي مؤامرات القصور، حيث تقول الروايات إن تحالفا متينا قام بين النائب وبين رئيس هيئة الاستعلامات ضد النفوذ المتنامي لوزير الإعلام والثقافة منصور حسن والذي كان الرئيس السادات ينوي تعيينه نائبا ثانيا له، وأن الشريف الذي كان مسئولا عن التعامل مع وسائل الإعلام العربية استطاع إقناع مجلة الحوادث اللبنانية بأن تضع علي غلافها صورة منصور حسن مصحوبة بعنوان يصفه بأنه الرئيس القادم لمصر ! وقد كان ذلك كفيلا بأن يصرف السادات النظر عن فكرة تعيينه نائبا وإلي الأبد.
تحالف مبارك والشريف عبر عن نفسه في بقاء الشريف وزيرا للإعلام لمدة 22 عاما متواصلة، حيث عينه مبارك وزيرا عقب توليه بشهور قليلة ليبقي في منصبه حتي عام 2002 ، ويخرج منه إلي منصب شرفي هو رئاسة مجلس الشوري، لكن نفوذ صفوت الشريف لدي مبارك جعله يحول المنصب الشرفي إلي نقطة قوة حقيقية يلعب من خلالها دور المهندس السياسي للعلاقة مع المعارضة والقوي السياسية والصحافة الخاصة والحزبية، ولعل الأهم في رواية قصة الشريف ومبارك هو استخلاص المعني الذي يقول إن المسئول في عهد مبارك تظهر له ميزات شخصية لأنه يستمر في موقعه ولا يستمر في موقعه لأن له ميزات شخصية وهو ما توضحه القصة التي رواها المهندس حسب الله الكفراوي للإعلامي عمرو الليثي في برنامجه «واحد من الناس» وتقول القصة باختصار إن أخبارا تنامت لعلم الكفراوي في أوائل التسعينيات أن مجموعة من تجار سوق روض الفرج اكتتبوا فيما بينهم بمبلغ أربعة ملايين ونصف المليون جنيه ليقدموه كرشوة مشتركة لمجموعة من كبار المسئولين هم عاطف صدقي وفتحي سرور وصفوت الشريف ومحافظ القاهرة عمر عبد الآخر ووزير الحكم المحلي وقتها، وأن الكفراوي بادر كعادته بإبلاغ مبارك بما سمع ليبادره فور سماعه القصة مباشرة قائلا (صفوت لا) والمعني أنه تجاهل توجيه الاتهام لأربعة من أكبر مسئوليه ولم يتوقف سوي أمام صفوت الشريف ليحذر الكفراوي من المساس به!
وإذا كان الشريف امتلك من المؤهلات ما كفل له أن يكون فردا مؤسسا في حاشية مبارك فإن مؤهلات أخري موازية ومختلفة من حيث طبيعتها كفلت لزكريا عزمي مكانا ربما لايقل أهمية في حاشية مبارك عن أهمية صفوت الشريف، بل ربما تجاوزتها حيث استطاع زكريا عزمي أن يحول نفسه من مسئول عن شئون الرئاسة إلي مسئول عن شئون الرئيس، وهو استطاع بنفس البراعة أن يحول نفسه من موظف إلي سياسي، ومن مساعد لمبارك لنظارة يري بها مبارك الأمور من حوله، ولعل ملامح وجهه كانت جزءا من دوره الذي يلعبه حيث تبدو سحنته دائما مقلوبة، ويبدو وجهه دائما وكأن عليه غضب الله، وهو ما يتفق مع دوره كعصا للرئيس يستخدمها في إرسال الرسائل للوزراء والمسئولين من خلال أدائه في مجلس الشعب. زكريا بدأ حياته ضابطا في سلاح المدرعات ثم انتقل للحرس الجمهوري في عام 65 ، وعلي مايبدو فإن كفاءته في دراسة الحقوق إلي جانب عمله كفلت له الانتقال لديوان رئيس الجمهورية، حيث عمل رئيسا للشئون السياسية في مكتب الرئيس السادات، وهو مثل صفوت الشريف استطاع أن ينسج علاقته بالرئيس المخلوع مبكرا، وفي الأيام الأولي التي كان فيها نائبا جديدا لرئيس الجمهورية، حيث كان عزمي مديرا لمكتب حسن كامل رئيس الديوان، وعلي ما يبدو فقد ساعد النائب الجديد وقتها علي فهم الكثير مما يجري في ديوان الرئاسة ونمت بينهما علاقة خاصة كان من أثرها أن مبارك عينه رئيسا للأمناء في القصر الجمهوري بمجرد توليه، ثم واصل رحلة صعوده إلي جوار مبارك ليوصف بأنه سيفه الذي يقطع به رقبة من يريد، أما في الحزب الوطني فقد ترقي من مجرد أمين وحدة حزبية في الزيتون عام 1987 إلي أمين الشئون المالية والإدارية في الحزب، وليحتفظ لدورات متتالية بعضوية مجلس الشعب الذي كان يمارس فيه أداء أقرب لأداء المعارضة كان الهدف منه إيصال رسالة أن الرئاسة ليست الحكومة وأن رئيس الجمهورية يمكنه من خلال زكريا عزمي توجيه اللوم للمقصرين من المسئولين، وقيل إن الرئيس مبارك كان يستخدمه لإيصال رسائل لبعض المسئولين الذين يلعبون من خلف ظهره وهو ما أدي لأن يصك عزمي مصطلحات باتت شهيرة في ظل حالة الفقر السياسي التي اتسم بها عصر مبارك مثل حديثه عن حرامية الخصخصة أو عبارته الشهيرة عن «فساد المحليات الذي وصل إلي الركب»!
وإلي جانب هذه الأدوار كان عزمي مسئولا عن كل ما يخص الشئون الخاصة لمبارك وعائلته، وكان أمينا لصندوق جمعيتي مصر الجديدة والرعاية المتكاملة اللتين ترأسهما سوزان مبارك، وقد بلغ نفوذه درجة أنه كان الموظف الوحيد في الدولة الذي صدر من أجله قانون من مادة واحدة تقول إنه من حق رئيس الجمهورية تعيين رئيس ديوانه وتحديد طريقة تعامله المادية وإعفائه من السن المقررة قانونا للخروج علي المعاش، وكانت مناسبة القانون قرب بلوغ زكريا عزمي لسن الإحالة إلي المعاش!
عزمي الذي كان الجميع يعرفون تأثيره علي مبارك كان رجل العمليات القذرة بمعني آخر فهو الوحيد الذي كان يتولي تحويل غضب مبارك علي شخص ما إلي إجراءات فعلية، حيث كان يكفي لمبارك أن يعلن غضبه أو رغبته في البطش ليتولي عزمي ترجمة ذلك لسيناريو فعلي ولخطوات يتم تنفيذها علي أرض الواقع، وهو مثل صفوت الشريف ظل منطقة محظورة في الحياة السياسية المصرية لا يجرؤ أحد علي مهاجمته والاقتراب منه ربما باستثناء مرة وحيدة في أعقاب حادث غرق العبارة السلام والتي كانت مملوكة لصديقه وربما شريكه ممدوح إسماعيل، حيث حاول بعض أعضاء مجلس الشعب تقديم طلب لإحالته للمدعي الاشتراكي للتحقيق في علاقته بممدوح إسماعيل، لكن الطلب رفض، وبقي زكريا عزمي كما هو مخيفا وقريبا وعازلا لمبارك عما حوله للدرجة التي شاع فيها أنه كان لسنوات طويلة يحذر زوار مبارك من أن يحدثوه في موضوعات تكدر مزاجه أو تحزنه! وهكذا بقي مزاج مبارك رائقا للغاية حتي سقط الجميع !
وإذا كان صفوت الشريف وزكريا عزمي هما أركان حاشية الأب، فإن أنس الفقي وعلي عكس صفوت الشريف استطاع أن يكون مشتركا بين أفراد العائلة الرئاسية كلها، فقد كان محل ثقة الابن والأم والأب أيضا، وهو كان يفتخر بأنه تلميذ في مدرسة سوزان مبارك، ولم يكن ذلك غريبا فقد كانت هي التي اكتشفته ورعته وحولته من مندوب توزيع للموسوعات إلي وزير إعلام مصر، وهو من جيل الابن، وحين عين وزيرا كان عمره أربعة وأربعين عاما، والطريقة التي دخل بها للحياة السياسية في مصر تكشف مدي العبثية التي وصلت لها هذه الحياة في سنوات حكم مبارك، حيث تقول إحدي الروايات إن الفقي وهو خريج كلية التجارة كان يعمل في مجال توزيع الموسوعات العلمية وأنه طور نشاطه ليصبح ناشرا للموسوعات الخاصة بالأطفال، وبحسب الرواية الشائعة فقد كان مقر شركته مجاورا لمقر جمعية الرعاية المتكاملة التي ترأسها سوزان مبارك وهو ما دفعه لأن يسجل نفسه في عضوية الجمعية ويبادر إلي حضور اجتماعاتها ثم يجتهد لتقديم نفسه لسوزان مبارك التي أعجبت بالموسوعات التي ينشرها وبوجهات نظره في السياسة والحياة وهو ما دفعها لأن تقدمه للوريث الذي كان يخطو خطواته الأولي هو الآخر تجاه الحزب ومشروع التوريث ليصبح واحدا من رجاله والعقول المحيطة به، ولأنه يعمل في مجال النشر رأت سوزان مبارك أن تكون الثقافة هي محطته السياسية القادمة حيث أرسلته لفاروق حسني وزير الثقافة وطلبت منه أن يستفيد بقدراته في هيئة قصور الثقافة، حيث استمر يمارس عمله لمدة سنتين، وعندما حدث التغيير الوزاري في 2004 تقرر أن يستمر فاروق حسني وزيرا للثقافة ليرسوا قارب الفقي المدعوم بالعناية الرئاسية علي شاطئ وزارة الشباب لعدة شهور يصبح بعدها وزيرا لإعلام مصر، يدرك أن وظيفته الأولي هي تلميع العائلة الرئاسية ثم رجال (الهانم)، ثم رجال الحزب في المرتبة الثالثة، ويتعامل بنوع من الثقة المفرطة في النفس دفعته لأن ينفق 770 مليون جنيه علي عمليات تطوير الإعلام المصري، ولتتطور صلته بأسرة الرئيس للدرجة التي أدت لرواج شائعات متعددة عن انتقاله من الإعلام لرئاسة الجمهورية كوزير لشئون الرئاسة، لكن نفوذ زكريا عزمي جعله يقنع بأن يبقي مكانه في ماسبيرو مع الاحتفاظ بعلاقات شخصية وطيدة بأسرة مبارك، وهو ما دفع الموسيقار عمار الشريعي لأن ينفعل علي الهواء في أحد البرامج عقب قيام الثورة وينقل عن أصدقاء له حديثا معناه أن الفقي كان ينادي مبارك بلقب بابا وأن علاقته بالأسرة كانت تكفل له التنقل في أرجاء المنزل الرئاسي بما فيها حمام الرئيس مبارك !
وهي رواية جاءت غير منضبطة لكنها ذات دلالة، أنس الفقي أشيع أنه بدأ حياته راقصا في فرقة رضا للفنون الشعبية علي حد رواية المهندس حسب الله الكفراوي تحتفظ بعض المواقع بشريط مصور له وهو يشارك الفرقة إحدي الرقصات، وإن كان ذلك ليس مما يعيب المرء بقدر ما يعيبه التسلق والسعي للمناصب عن طريق الرضا الشخصي والعائلي.
علي أن الفقي كان شريكا في لحظات مهمة من تاريخ مصر، حيث شاء الله أن يسلطه هو وجمال مبارك علي الرئيس السابق، حيث قالت رواية موثقة إن الفقي هو الذي صاغ خطاب مبارك مساء الخميس 10 فبراير والذي استفز جموع المتظاهرين وجعلهم يتوجهون لمحاصرة القصر الرئاسي، حيث رفع الفقي وجمال شعار رفض التنحي وهو ما أدي لخروج الرئيس المخلوع بأكبر خسائر ممكنة، وهو شيء يستحقه مادام اختار شخصا مثل الفقي ليكون أحد أفراد حاشيته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق