المطالبة بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة ومقننة ضد العدو ..أمر منطقي وواجب قومي
المصدر : شبكة الاعلام العربى
بقلم ـ موسى راغب
ليس من شك أن الحديث عن السلام مع كيان غريب ومغتصب .. قام على القتل والإرهاب والتهجير كما الحال مع الكيان العبري .. أمر غير منطقي ومرفوض جملة وتفصيلاً . فهذا الكيان لا يستهدف احتلال فلسطين فقط ، وإنما يسعى للهمنة على المنطقة العربية بأسرها .. حيث يعتبرها الصهاينة المرحلة التي تسبق تنفيذ مشروعها الكبير ، وهو إقامة الدولة اليهودية العالمية .
لذا فإن القول (همساً أو علناً) ، بأن على الفلسطينيين وحدهم تحمل عبئ تحرير بلادهم .. قول باطل وظالم دينياً واخلاقياً ووضعياً . وفي المقابل لا يستطيع أحد أن يزايد على الشعب الفلسطيني في التضحية بأبنائه من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني ، والحفاظ على حاضر هذه الأمة ومستقبلها .
وبالتالي فإن على جميع الشعوب العربية بخاصة والأمة الإسلامية بعامة ، ان تساهم في تحرير الأرض الفلسطينية من الهجمة الشرسة التي يحاول التحالف الصهيوغربي أن يوسع من رقعتها لتشمل الأرض العربية والإسلامية ، بدعوى أن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب اليهود لتكون وطنا قومياً لهم من ناحية ، وأن الحضارة الإسلامية السائدة في بلدان العالمين العربي والإسلامي .. باتت تشكل خطراً داهما على الحضارة الغربية من ناحية أخرى .
كلنا يعلم أن النظام الرسمي العربي نظام متهالك لا تجمع بين حكامه سوى مصلحة واحدة ، وهي الحفاظ على كراسي الحكم واستمرار اغتصاب هؤلاء الحكام لخيرات بلادهم وتجييرها لصالحهم وصالح أتباعهم . أما التعامل مع شعوبهم ، فلا يختلف عن التعامل مع قطعان من الماشية والأغنام ليس أكثر .
غير أن ثمة بصيصاً من الأمل قد داعب خيال أبناء هذه الأمة ، حين شاهدوا أجناد حزب الله اللبناني (الذي لا يزيد عن كونه ميلشيا محدودة العتاد والعدة قياسا بالترسانة العسكرية التي يمتلكها الكيان العبري) ، وهم "يمرغون" وجوه جنود الكيان العبري وجيشه في التراب .. عندما شن عدوانه السافر على لبنان عام 2006.
حينها ظهر للشعب العربي (الذي كان مصاباً باليأس بفعل حالة الاهتراء الذي كانت تعيشه دول المنطقة العربية) ، أن ثمة محوراً عربياً وإسلامياً ، أعلن رأيه صراحة في أن وجود الكيان العبري على أرض فلسطين ، هو وجود غير شرعي ، وأن هذا المحور سيعمل جاداً على إزالة هذا الكيان المغتصب والغريب عن المنطقة .
وهكذا اصبحت الأمال في تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال العبري ، وكذلك حماية سائر الأرض العربية من محاولات الصهيونية والغرب السيطرة عليها ونهب ثرواتها .. معقودة على هذا المحور الذي اجتمع أقطابه منذ شهور في دمشق معلنين تحديهم الشهير للعدو الصهيوني .. بأن أي اعتداء على أحد أطراف هذا المحور ، سيواجه بقوة من جميع الأطراف ، الأمر الذي بدا واضحاً- في ذلك الوقت- أن العدو قد استوعبه جيداً .
غير أن هذا الموقف- باعتباره موقفاً دفاعياً يعبر عن ردة فعل ضد أي عدوان إسرائيلي محتمل على أحد أطراف هذا المحور- لا ينبغي أن يفسر أكثر مما يحتمل .. بمعنى أن يُؤخذ على أطراف هذا المحور أنهم يقفون موقف الدفاع ضد أي عدوان إسرائيلي ، وليس المبادرة في القيام بعمليات عسكرية حاسمة ضد الكيان العبري .
الجميع يعلم أن قوة إسرائيل التسليحية (من حيث النوع قبل الكم) ، تتفوق على القوة المتوفرة لدى الأنظمة العربية مجتمعة ، وأن لديها أسلحة دمار شامل لا تتوفر لدى الأنظمة العربية ، وأنها تحظى بدعم مادي ومعنوي غربي هائل .. فضلاً عن أن الإعلام الصهيوني استطاع أن يقنع الكثير من دول العالم بأن أرض فلسطين هي (في الأساس) أرض يهودية .
وبالتالي ليست هناك مشكلة فلسطينية (أصلاً) إلا في مخيلة الأنظمة العربية الرسمية التي يحاول حكامها (بحسب الإعلام الصهيوني) ، إثارة هذا الموضوع بهدف إبعاد شعوبهم عن الوقوف على الأسباب الحقيقية للمشكلات التي تعاني منها ، والناجمة عن نهب هؤلاء الحكام وأتباعهم لثروات البلاد ، وعدم الالتفات للمشكلات الحقيقية التي تعاني منها شعوبهم .
لكن هذا الواقع .. لا يعني أن تقف الشعوب العربية مكتوفة الأيدي كما يفعل حكامها الذين يلتزمون بمبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان". ولعل هذا من الأسباب الرئيسة التي دعت الشعوب العربية للثورة على حكامها في بعض الدول العربية ، والتي يبدو أنها ستطال جميع شعوب المنطقة إن آجلاً أو عاجلاً .. ومهما كانت طبيعة القوالب التي تظهر بها بسبب الظروف الخاصة بكل بلد .
هنا ينهض سؤال هام وهو : ما العمل .. والشعوب العربية تواجه عدواً يتفوق عليها عسكريا بواقع يجعل من العسير (إن لم يكن من المستحيل) التغلب عليه في حرب تقليدية ، كالتي خاضها العرب معه منذ قيامه عام 48 وحتى اللحظة .. هل يبقى الحال على ما هو عليه (لا سلم ولا حرب إلى ما لا نهاية)؟ .. أو التصالح مع هذا العدو بأي صورة؟ .. أم ماذا ؟!!.
هنا نجد أن ثمة موقفين (من هذا الموضوع) يسودان المنطقة سواء على صعيد الحكومات أو الشعوب . ففريق يرى أن الواقع على الأرض يقول بأن إزالة الكيان العبري- في هذا الوقت بالذات- يعد أمراً مستحيلاً ، ومن ثم يتوجب على العرب (وفي مقدمتهم الفلسطينيين) أن يقبلوا بما هو ممكن ، ولا يضيعوا فرصة إقامة الدولة الفلسطينية التي تلوح بها أمريكا وأوروبا ، وتلقى تأييداً من المجتمع الدولي .
أما الفريق الأخر ، فيرى أن مبدأ قبول هذا الكيان كعضو ثابت في المنطقة ، يعد خطراً داهما على الأمتين العربية والإسلامية .. بالنظر إلى تعاليم بروتوكولات حكماء صهيون أولا ، وللمواقف التي صدرت ولا تزال تصدر عن زعماء الكيان العبري منذ نشأته ثانيا . فهذه المواقف تعبر عن عقيدة اليهود الصهاينة من أن فلسطين التاريخية هي أرض يهودية منحها الرب لشعبه المختار ، وأن الوجود العربي فيها وجود مؤقت جاء مع الفتوحات الإسلامية لهذه المنطقة بما فيها فلسطين . ومن ثم فهم (أي اليهود الصهاينة) ، لن يهدأ لهم بال إلا بعد أن يهجِّروا ما تبقى من أهلها الفلسطينين ،ويستولون على الأرض الفلسطينية بالكامل .
لذلك يرى هذا الفريق ، أن الدواعي الدينية والأخلاقية والقومية والأمنية للأمة ، تقتضي من شعوبها إعداد مخطط يتمشى مع طبيعة المرحلة الراهنة التي تنتظم وجود هذا الكيان في المنطقة أولاً ، والمراحل القادمة المتوقعة في التعامل مع استمرار هذا الكيان فيها ثانياً .
وفي اعتقادنا- كمؤيدين لهذا الفريق- أن البداية المنطقية لهذا المخطط تتطلب القيام بعمليات عسكرية ومعنوية ، من شأنها إشعار اليهود الصهاينة في هذا الكيان بأنهم لن ينعموا بالهدوء والأمن والأمان الذي استظلوا به وبخاصة في السنوات التي اعقبت حرب عام 73.
والوصول لهذا الهدف .. يعني تحول الكيان الإسرائيلي من مجتمع "جاذب" يستقدم المزيد من المهاجرين اليهود (إذا جاز مصطلح "مجتمع") ، إلى مجتمع "طارد" يعمل على تشجيع الهجرة المعاكسة .
وليس من شك أن الثورات العربية التي تجتاج هذه المنطقة ، يُتوقع ان تُحدث تغييرات جذرية في المواقف حيال المخاطر التي تحيط ببلدانها ، كما يُتوقع أن تسهم بإيجابية في وضع الخطط التي تكفل التخلص من هذه المخاطر ، وعلى رأسها الخطر الناجم عن استمرار الوجود العبري في هذه المنطقة .
ليس من شك أن اعتماد هكذا مخطط في التعامل مع العدو في هذه المرحلة ، يوجه الأنظار إلى الدول والمنظمات التي تنادي بمبدأ المقاومة كأسلوب للتخلص من الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والعربية التي ما زال يحتلها . وهذا يجعل من المنطقي أن يبادر أطراف محور المقاومة في الأخذ بهذا المبدأ .. ونعني به "العمل على تحويل مجتمع الكيان العبري من مجتمع "جاذب" إلى مجتمع "طارد" كما ذكرنا .
وبالتالي فإن دعوة سوريا وحزب الله وحركة حماس إضافة لإيران للأخذ بتطبيق هذا المقترح .. يصبح أمراً منطقياً . فحزب الله وحركة حماس هما المؤهلتان لتكونا في واجهة هذا العمل .. باعتبارهما ميلشيات تتمتع بالقدرة على الحركة في نطاق ما يسمى بـ "الكر والفر" ، خلافاً لقوات العدو النظامية التي تخضع في تحركاتها القتالية (سواء الدفاعية أو الهجومية) لقواعد ومحددات لا تستطيع الخروج عنها في كل الظروف .
وليس بعيداً عن هذا السياق القول ، بأنه كان على النظام السوري أن يكون في مقدمة من يعي هذه الحقيقة ، إذا كان مؤمنا (بحق) بضرورة العمل على إزالة الكيان العبري من المنطقة .. واعتباره الخطر الداهم الذي يهدد كيانها وشعوبها . وهذا لا يعني أننا نهوِّن من الأضرار التي من المؤكد أن العدو سيلحقها بسوريا ، لكن هذه الأضرار ستكون محسوبة لدي قادة إسرائيل ومردودة عليهم .
فهم يدركون أكثر من غيرهم أن الغالبية العظمى من المصالح المركزية للدولة العبرية ، والتي تضم منشآت صناعية وعسكرية وزراعية ومدن وبلدات ، تتمركز في المنطقة الشمالية التي تقع بين حدود لبنان الجنوبية التي يرابط فيها حزب الله ، وحدود هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل .
ويدركون (أيضاً) أن هذه المنطقة تقع في مرمى الصواريخ السورية وقذائف المدافع الميدانية بعيدة المدى ، فضلا عن وقوعها في مرمى صواريخ حزب الله .. العضو في محور المقاومة ، والذي تعتبره إسرائيل العدو اللدود والأخطر على أمنها بل ووجودها . ومن ثم فإن إسرائيل لا تستطيع أن تلحق أضراراً تدفع بالسوريين وحزب الله إلى ضرب تلك المنطقة ، بذات العنف الذي يمكن أن تستخدمه إسرائيل إن لم يكن أكثر حدةً .
وليس بعيداً عن هذا السياق (أيضاً) ، التذكير بأن النظام السوري قد جانبه الصواب ، حين استدار بدباباته ومدرعاته من على هضبة الجولان إلى الداخل السوري ، من أجل قمع مظاهرات الشعب الذي طالب (سلمياً) بتنفيذ إصلاحات كان الرئيس السوري بشار الأسد قد طرحها لكنه لم ينفذها .
وإذا كانت حجته بأن ثمة مؤامرة تحاك للنظام السوري بغية إسقاطه ، فهذا الأمر مردود عليه .. إذ كيف لم يُعِد النظام السوري العدة لمجابهة مثل هؤلاء وهو يعلم أنهم كُثر .. فمنهم من ينتمي لإسرائيل وأمريكا .. ومنهم من يعمل لحساب دعاة الاعتدال .. ومنهم من يعمل لصالح فئات معينة في الداخل السوري بهدف إشعال الفتنة الطائفية وإسقاط النظام ؟!!.
ثم .. وهذا هو الأهم .. ما الذي يضير الرئيس السوري الذي طالما نادى بالإصلاح .. وحاز (في وقت من الأوقات) على حب قطاعات كبيرة من السوريين وحتى العرب لمواقفه القومية .. نقول ما الذي يضيره لو أنه استجاب لمطالب شعبه السلمية في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ، تنقل البلاد من عداد المجتمعات البوليسية إلى مجتمع ديمقراطي قائم على التعددية الحزبية وإطلاق الحريات وسيادة الشفافية المطلقة لكل ما يواجه المجتمع من مواقف ومشكلات ؟؟؟.
ومهما يكن من أمر .. فإن هذا المقترح الذي ندعو فيه أطراف محور المقاومة للمبادرة في تطبيقه ، لا يعني- بأي حال من الأحوال- التغاضي عن تقصير الدول العربية الأخرى عن العمل بجدية من أجل نزع خنجر الصهيونية من قلب الوطن العربي . كما أن مطالبة محور المقاومة بأخذ زمام المبادرة للقيام بهذا العمل أمر منطقي ، لأن أطرافه هي التي تتبنى قضية التصدي لأطماع هذا الكيان في المنطقة .
المصدر : شبكة الاعلام العربى
بقلم ـ موسى راغب
ليس من شك أن الحديث عن السلام مع كيان غريب ومغتصب .. قام على القتل والإرهاب والتهجير كما الحال مع الكيان العبري .. أمر غير منطقي ومرفوض جملة وتفصيلاً . فهذا الكيان لا يستهدف احتلال فلسطين فقط ، وإنما يسعى للهمنة على المنطقة العربية بأسرها .. حيث يعتبرها الصهاينة المرحلة التي تسبق تنفيذ مشروعها الكبير ، وهو إقامة الدولة اليهودية العالمية .
لذا فإن القول (همساً أو علناً) ، بأن على الفلسطينيين وحدهم تحمل عبئ تحرير بلادهم .. قول باطل وظالم دينياً واخلاقياً ووضعياً . وفي المقابل لا يستطيع أحد أن يزايد على الشعب الفلسطيني في التضحية بأبنائه من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني ، والحفاظ على حاضر هذه الأمة ومستقبلها .
وبالتالي فإن على جميع الشعوب العربية بخاصة والأمة الإسلامية بعامة ، ان تساهم في تحرير الأرض الفلسطينية من الهجمة الشرسة التي يحاول التحالف الصهيوغربي أن يوسع من رقعتها لتشمل الأرض العربية والإسلامية ، بدعوى أن فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب اليهود لتكون وطنا قومياً لهم من ناحية ، وأن الحضارة الإسلامية السائدة في بلدان العالمين العربي والإسلامي .. باتت تشكل خطراً داهما على الحضارة الغربية من ناحية أخرى .
كلنا يعلم أن النظام الرسمي العربي نظام متهالك لا تجمع بين حكامه سوى مصلحة واحدة ، وهي الحفاظ على كراسي الحكم واستمرار اغتصاب هؤلاء الحكام لخيرات بلادهم وتجييرها لصالحهم وصالح أتباعهم . أما التعامل مع شعوبهم ، فلا يختلف عن التعامل مع قطعان من الماشية والأغنام ليس أكثر .
غير أن ثمة بصيصاً من الأمل قد داعب خيال أبناء هذه الأمة ، حين شاهدوا أجناد حزب الله اللبناني (الذي لا يزيد عن كونه ميلشيا محدودة العتاد والعدة قياسا بالترسانة العسكرية التي يمتلكها الكيان العبري) ، وهم "يمرغون" وجوه جنود الكيان العبري وجيشه في التراب .. عندما شن عدوانه السافر على لبنان عام 2006.
حينها ظهر للشعب العربي (الذي كان مصاباً باليأس بفعل حالة الاهتراء الذي كانت تعيشه دول المنطقة العربية) ، أن ثمة محوراً عربياً وإسلامياً ، أعلن رأيه صراحة في أن وجود الكيان العبري على أرض فلسطين ، هو وجود غير شرعي ، وأن هذا المحور سيعمل جاداً على إزالة هذا الكيان المغتصب والغريب عن المنطقة .
وهكذا اصبحت الأمال في تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال العبري ، وكذلك حماية سائر الأرض العربية من محاولات الصهيونية والغرب السيطرة عليها ونهب ثرواتها .. معقودة على هذا المحور الذي اجتمع أقطابه منذ شهور في دمشق معلنين تحديهم الشهير للعدو الصهيوني .. بأن أي اعتداء على أحد أطراف هذا المحور ، سيواجه بقوة من جميع الأطراف ، الأمر الذي بدا واضحاً- في ذلك الوقت- أن العدو قد استوعبه جيداً .
غير أن هذا الموقف- باعتباره موقفاً دفاعياً يعبر عن ردة فعل ضد أي عدوان إسرائيلي محتمل على أحد أطراف هذا المحور- لا ينبغي أن يفسر أكثر مما يحتمل .. بمعنى أن يُؤخذ على أطراف هذا المحور أنهم يقفون موقف الدفاع ضد أي عدوان إسرائيلي ، وليس المبادرة في القيام بعمليات عسكرية حاسمة ضد الكيان العبري .
الجميع يعلم أن قوة إسرائيل التسليحية (من حيث النوع قبل الكم) ، تتفوق على القوة المتوفرة لدى الأنظمة العربية مجتمعة ، وأن لديها أسلحة دمار شامل لا تتوفر لدى الأنظمة العربية ، وأنها تحظى بدعم مادي ومعنوي غربي هائل .. فضلاً عن أن الإعلام الصهيوني استطاع أن يقنع الكثير من دول العالم بأن أرض فلسطين هي (في الأساس) أرض يهودية .
وبالتالي ليست هناك مشكلة فلسطينية (أصلاً) إلا في مخيلة الأنظمة العربية الرسمية التي يحاول حكامها (بحسب الإعلام الصهيوني) ، إثارة هذا الموضوع بهدف إبعاد شعوبهم عن الوقوف على الأسباب الحقيقية للمشكلات التي تعاني منها ، والناجمة عن نهب هؤلاء الحكام وأتباعهم لثروات البلاد ، وعدم الالتفات للمشكلات الحقيقية التي تعاني منها شعوبهم .
لكن هذا الواقع .. لا يعني أن تقف الشعوب العربية مكتوفة الأيدي كما يفعل حكامها الذين يلتزمون بمبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان". ولعل هذا من الأسباب الرئيسة التي دعت الشعوب العربية للثورة على حكامها في بعض الدول العربية ، والتي يبدو أنها ستطال جميع شعوب المنطقة إن آجلاً أو عاجلاً .. ومهما كانت طبيعة القوالب التي تظهر بها بسبب الظروف الخاصة بكل بلد .
هنا ينهض سؤال هام وهو : ما العمل .. والشعوب العربية تواجه عدواً يتفوق عليها عسكريا بواقع يجعل من العسير (إن لم يكن من المستحيل) التغلب عليه في حرب تقليدية ، كالتي خاضها العرب معه منذ قيامه عام 48 وحتى اللحظة .. هل يبقى الحال على ما هو عليه (لا سلم ولا حرب إلى ما لا نهاية)؟ .. أو التصالح مع هذا العدو بأي صورة؟ .. أم ماذا ؟!!.
هنا نجد أن ثمة موقفين (من هذا الموضوع) يسودان المنطقة سواء على صعيد الحكومات أو الشعوب . ففريق يرى أن الواقع على الأرض يقول بأن إزالة الكيان العبري- في هذا الوقت بالذات- يعد أمراً مستحيلاً ، ومن ثم يتوجب على العرب (وفي مقدمتهم الفلسطينيين) أن يقبلوا بما هو ممكن ، ولا يضيعوا فرصة إقامة الدولة الفلسطينية التي تلوح بها أمريكا وأوروبا ، وتلقى تأييداً من المجتمع الدولي .
أما الفريق الأخر ، فيرى أن مبدأ قبول هذا الكيان كعضو ثابت في المنطقة ، يعد خطراً داهما على الأمتين العربية والإسلامية .. بالنظر إلى تعاليم بروتوكولات حكماء صهيون أولا ، وللمواقف التي صدرت ولا تزال تصدر عن زعماء الكيان العبري منذ نشأته ثانيا . فهذه المواقف تعبر عن عقيدة اليهود الصهاينة من أن فلسطين التاريخية هي أرض يهودية منحها الرب لشعبه المختار ، وأن الوجود العربي فيها وجود مؤقت جاء مع الفتوحات الإسلامية لهذه المنطقة بما فيها فلسطين . ومن ثم فهم (أي اليهود الصهاينة) ، لن يهدأ لهم بال إلا بعد أن يهجِّروا ما تبقى من أهلها الفلسطينين ،ويستولون على الأرض الفلسطينية بالكامل .
لذلك يرى هذا الفريق ، أن الدواعي الدينية والأخلاقية والقومية والأمنية للأمة ، تقتضي من شعوبها إعداد مخطط يتمشى مع طبيعة المرحلة الراهنة التي تنتظم وجود هذا الكيان في المنطقة أولاً ، والمراحل القادمة المتوقعة في التعامل مع استمرار هذا الكيان فيها ثانياً .
وفي اعتقادنا- كمؤيدين لهذا الفريق- أن البداية المنطقية لهذا المخطط تتطلب القيام بعمليات عسكرية ومعنوية ، من شأنها إشعار اليهود الصهاينة في هذا الكيان بأنهم لن ينعموا بالهدوء والأمن والأمان الذي استظلوا به وبخاصة في السنوات التي اعقبت حرب عام 73.
والوصول لهذا الهدف .. يعني تحول الكيان الإسرائيلي من مجتمع "جاذب" يستقدم المزيد من المهاجرين اليهود (إذا جاز مصطلح "مجتمع") ، إلى مجتمع "طارد" يعمل على تشجيع الهجرة المعاكسة .
وليس من شك أن الثورات العربية التي تجتاج هذه المنطقة ، يُتوقع ان تُحدث تغييرات جذرية في المواقف حيال المخاطر التي تحيط ببلدانها ، كما يُتوقع أن تسهم بإيجابية في وضع الخطط التي تكفل التخلص من هذه المخاطر ، وعلى رأسها الخطر الناجم عن استمرار الوجود العبري في هذه المنطقة .
ليس من شك أن اعتماد هكذا مخطط في التعامل مع العدو في هذه المرحلة ، يوجه الأنظار إلى الدول والمنظمات التي تنادي بمبدأ المقاومة كأسلوب للتخلص من الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية والعربية التي ما زال يحتلها . وهذا يجعل من المنطقي أن يبادر أطراف محور المقاومة في الأخذ بهذا المبدأ .. ونعني به "العمل على تحويل مجتمع الكيان العبري من مجتمع "جاذب" إلى مجتمع "طارد" كما ذكرنا .
وبالتالي فإن دعوة سوريا وحزب الله وحركة حماس إضافة لإيران للأخذ بتطبيق هذا المقترح .. يصبح أمراً منطقياً . فحزب الله وحركة حماس هما المؤهلتان لتكونا في واجهة هذا العمل .. باعتبارهما ميلشيات تتمتع بالقدرة على الحركة في نطاق ما يسمى بـ "الكر والفر" ، خلافاً لقوات العدو النظامية التي تخضع في تحركاتها القتالية (سواء الدفاعية أو الهجومية) لقواعد ومحددات لا تستطيع الخروج عنها في كل الظروف .
وليس بعيداً عن هذا السياق القول ، بأنه كان على النظام السوري أن يكون في مقدمة من يعي هذه الحقيقة ، إذا كان مؤمنا (بحق) بضرورة العمل على إزالة الكيان العبري من المنطقة .. واعتباره الخطر الداهم الذي يهدد كيانها وشعوبها . وهذا لا يعني أننا نهوِّن من الأضرار التي من المؤكد أن العدو سيلحقها بسوريا ، لكن هذه الأضرار ستكون محسوبة لدي قادة إسرائيل ومردودة عليهم .
فهم يدركون أكثر من غيرهم أن الغالبية العظمى من المصالح المركزية للدولة العبرية ، والتي تضم منشآت صناعية وعسكرية وزراعية ومدن وبلدات ، تتمركز في المنطقة الشمالية التي تقع بين حدود لبنان الجنوبية التي يرابط فيها حزب الله ، وحدود هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل .
ويدركون (أيضاً) أن هذه المنطقة تقع في مرمى الصواريخ السورية وقذائف المدافع الميدانية بعيدة المدى ، فضلا عن وقوعها في مرمى صواريخ حزب الله .. العضو في محور المقاومة ، والذي تعتبره إسرائيل العدو اللدود والأخطر على أمنها بل ووجودها . ومن ثم فإن إسرائيل لا تستطيع أن تلحق أضراراً تدفع بالسوريين وحزب الله إلى ضرب تلك المنطقة ، بذات العنف الذي يمكن أن تستخدمه إسرائيل إن لم يكن أكثر حدةً .
وليس بعيداً عن هذا السياق (أيضاً) ، التذكير بأن النظام السوري قد جانبه الصواب ، حين استدار بدباباته ومدرعاته من على هضبة الجولان إلى الداخل السوري ، من أجل قمع مظاهرات الشعب الذي طالب (سلمياً) بتنفيذ إصلاحات كان الرئيس السوري بشار الأسد قد طرحها لكنه لم ينفذها .
وإذا كانت حجته بأن ثمة مؤامرة تحاك للنظام السوري بغية إسقاطه ، فهذا الأمر مردود عليه .. إذ كيف لم يُعِد النظام السوري العدة لمجابهة مثل هؤلاء وهو يعلم أنهم كُثر .. فمنهم من ينتمي لإسرائيل وأمريكا .. ومنهم من يعمل لحساب دعاة الاعتدال .. ومنهم من يعمل لصالح فئات معينة في الداخل السوري بهدف إشعال الفتنة الطائفية وإسقاط النظام ؟!!.
ثم .. وهذا هو الأهم .. ما الذي يضير الرئيس السوري الذي طالما نادى بالإصلاح .. وحاز (في وقت من الأوقات) على حب قطاعات كبيرة من السوريين وحتى العرب لمواقفه القومية .. نقول ما الذي يضيره لو أنه استجاب لمطالب شعبه السلمية في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ، تنقل البلاد من عداد المجتمعات البوليسية إلى مجتمع ديمقراطي قائم على التعددية الحزبية وإطلاق الحريات وسيادة الشفافية المطلقة لكل ما يواجه المجتمع من مواقف ومشكلات ؟؟؟.
ومهما يكن من أمر .. فإن هذا المقترح الذي ندعو فيه أطراف محور المقاومة للمبادرة في تطبيقه ، لا يعني- بأي حال من الأحوال- التغاضي عن تقصير الدول العربية الأخرى عن العمل بجدية من أجل نزع خنجر الصهيونية من قلب الوطن العربي . كما أن مطالبة محور المقاومة بأخذ زمام المبادرة للقيام بهذا العمل أمر منطقي ، لأن أطرافه هي التي تتبنى قضية التصدي لأطماع هذا الكيان في المنطقة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق